في أثناء العقدين القادمين يتوقع أن يتخلى الطب عن أسلوب المعالجة الغالب اليوم، والقائم على «تصليح» ما حدث ومضى، وانتظار إصابة المرضى وعلاج ذيول الإصابة. فالطب القادم والوشيك يضطلع باستباق الإصابات والأعراض، وينهض على أربعة أركان: الاستباق والتشخيص الفردي والوقاية والمشاركة. وتقنيات الفحصالجديدة هي السبب في انتهاج الطب الطريق الجديدة هذه. فلا يقتصر ما يسمى فحص الأنظمة على تحليل جينات المرء كل جينة على حدة، بل يفحصها نظاماً جينياً متماسكاً. والى الجينات، تتحرى العيادة عن بروتينات الدم والخلايا والسوابق المرضية كلها، وتقوّم الأضرار التي لحقت بالمريض جراء مرضه أو أمراضه. وتتولى التقنيات الجديدة، والآلات الدقيقة، استطلاع الآلاف من العناصر المؤثرة في الدم، وتصوير سلسلة الحمض النووي، وفك شفرة الجينوم البشري الشخصي. ويسع الحواسيب (الكومبيوترات) الجديدة التمحيص الدقيق في آلاف البيانات السنوية، وتشخيص أحوال الشخص الذي تعود اليه البيانات هذه. وعلى هذا، في مستطاع المراقب والمعالج التكهن بأحوال صاحب البيانات، واستخلاص مثاله الفردي، وأطوار المثال المتوقعة، في ضوء سلسلة جينومه. فينبه الطبيب «مريضه» الى احتمال الاصابة بداء عضال قبل بلوغه الثلاثين، ويُقدّر الاحتمال هذا ب 30 في المئة. ويتيح التقويم الدوري لأعضاء الجسم الانتباه لأطوار صحة الشخص المتوقعة في البيئة التي يعيش فيها. ويوفر طب الأنظمة للباحثين فرصة إعداد الأدوية الناجعة، وتناولها في وقت مبكر، وتعظيم فرص العلاج. فاحتمال الإصابة المقدر بخمسين في المئة، في سن الخمسين، يرتب تناول الدواء أو العقار في سن الثلاثين، وتقليل فرصة الاصابة. فالأولوية هي لحماية العافية، وهي تتقدم المعالجة نفسها. والركن الرابع، أو المشاركة، يقضي بتزويد شركات تحليل الجينوم البشري الأفراد المعلومات الجينية التي تعود اليهم، وقد تحملهم على تغيير سلوكهم، وتلافي ما يعرّض صحتهم لمشكلات يتوقع تحليل الجينوم بروزها في أوقات أو ظروف مقدرة. ويحتاج المرضى، والحال هذه، الى الإلمام بقراءة تحليل جينومهم، والى معرفة دور البيئة في تنشيط الإصابة المحتملة. وينجم عن هذا النوع من التطبيب أثر عميق في صناعات الدواء والغذاء والتأمين والرعاية الصحية. ولا ريب في الحاح السؤال عن قدرة بيروقراطيات هذه الصناعات على مجاراة الطور العلاجي الجديد، والتكيف معه. فقد يقتضي تخلف البيروقراطيات الراسخة عن مجاراة هذا الطور بروز موجة جديدة من الشركات والإدارات المناسبة. ويصحّ الأمر نفسه في الأبحاث العلمية. فالأمراض «الكبيرة» والعصبية مثل السكري والسرطان واعتلالات القلب والسمنة والزهايمر، معقدة. ويفترض في التقنيات الجديدة وفحوص الأنظمة أن تؤدي الى معرفة أعمق وأكثر احاطة بالأمراض، من وجه، والى قوة علاجية وصيدلية أكبر بكثير من القوة التقليدية السائدة اليوم. ولا يزال تدريس الطب متخلفاً عن حاجات مزاولته الوشيكة. فالتأهيل الدراسي يصرف معظمه اليوم على تصنيف الامراض في ضوء معايير صحية قليلة وبسيطة، بينما على أطباء الغد الإلمام، من طريق التجهيز الالكتروني والرقمي، بنظام بالغ التعقيد، وكثير المعايير، ولا تحصى معلومات مرضاه عن أنفسهم. هذا الى تغيير معيار الطب الأول من العلاج الى الوقاية. ولا يجوز حصر الحق في العناية الصحية في مجتمعات دون غيرها. فهو حق إنساني عام ينبغي توفيره لبلايين الناس. وتترتب على هذا مهمات لم تخطر ببال أحد الى سنوات سابقة قريبة. * مخترع تقنية سلسلة الجينوم ومؤسس معهد «سستم بيولوجي» بسياتل، عن «نيوزويك، الأميركية، 18/8/2009، إعداد و.ش.