يعاني قطاع الغاز المنزلي في لبنان فوضى، فشركات القطاع تتاجر بالتعبئة والتوزيع الخاصين بقوارير الغاز في أجواء يغيب عنها الانضباط، وفيما تحدد وزارة الطاقة أسبوعياً سعر قارورة الغاز زنة 10 كيلوغرامات، تطرح شركات الغاز قوارير من زنات مختلفة -12.5 كيلوغرام و15 كيلوغراماً و25 كيلوغراماً و35 كيلوغراماً- وهذه الأنواع لا تسعيرة رسمية لها والأمر متروك للشركات. في الماضي كانت لكل شركة قواريرها الخاصة الملونة بلون خاص بها، واليوم كل القوارير ذات لون واحد، تهرباً من المسؤولية في حال حدوث حريق ناتج من استخدام قارورة فاسدة أو من انفجار قارورة لا تنطبق عليها المواصفات الفنية كما يحددها مجلس البحوث الصناعية، علماً بأن ملكية القوارير المعدنية انتقلت إلى المستهلكين مع بدء الحرب اللبنانية في 1975 لقاء مبلغ محدد يدفعه المستهلك إلى الشركة. وبذلك تتهرب الشركات من مسؤولية صيانة القوارير كما تتقاضى مبلغ 15 دولاراً عن كل قارورة جديدة. عرف لبنان الغاز المسيل التجاري (مزيج من غاز البوتان بنسبة 75 في المئة وغاز البروبان بنسبة 25 في المئة) منذ 1955، إذ كان بعض الشركات يستورد القوارير المعبأة بالغاز على نطاق ضيق. ومع بداية إنتاج الغاز المسيل في مصفاة «مدريكو» عام 1958، أنشأ بعض الشركات معامل لتعبئة القوارير المعدنية. ولم يتجاوز إنتاج المصفاة تلك السنة ألفاً و110 أطنان، وزعت بواسطة شركتي «موبيل أويل» و «كالتكس»، صاحبتي الحق الحصري في توزيع إنتاج المصفاة من مختلف المواد النفطية. وسجل استهلاك لبنان عام 1958 نحو 4112 طن من الغاز المنتج محلياً والمستورد. وفي تموز (يوليو) 1964 بدأت مصفاة طرابلس العمل، وبلغ إنتاجها من الغاز المسيل خلال الأشهر الست الأخيرة من العام ذاته ألفين و118 طناً. إلا أن الإنتاج المحلي من المصفاتين بقي دون بلوغ الاكتفاء الذاتي نظراً إلى تسارع وتيرة الطلب على الغاز المسيل وحلوله تدريجاً محل الكاز من جهة، واتساع مجال استهلاكه في الإنارة والتدفئة وفي بعض الصناعات من جهة أخرى. وقبل عام 1975 وصل استهلاك الغاز المسيل في لبنان إلى نحو مئة ألف طن يغطي إنتاج المصفاتين 45 في المئة منه تقريباً، ويبلغ اليوم نحو 250 ألف طن. وتميز القطاع قبل الحرب بخصائص أهمها: استمرار استيراد الغاز من الخارج (إيطاليا خصوصاً) لتغطية النقص في إنتاج المصفاتين، وتعدد الوسطاء بين شركات التوزيع والمستهلك، واعتماد الشركات الصغيرة في التزود بحاجاتها من الغاز، على الشركات الكبرى المرتبطة بعقود قانونية مع شركات توزيع المحروقات حتى أوائل السبعينات عندما خصصت بحصص من الإنتاج المحلي، وضعف الرقابة الرسمية إلى حد بعيد، خصوصاً الفنية منها، وعدم وجود تأمينات ضد حوادث الحريق. وتسبب اعتماد السوق المحلية على الاستيراد بنحو 55 في المئة من مجموع حاجات لبنان، واختلاف الأسعار أحياناً كثيرة بين الغاز المنتج محلياً (تحدد المصفاتان السعر) وبين الغاز المستورد الذي تتقلب أسعاره في السوق العالمية حسب العرض والطلب، في نشوء منافسات بين الشركات الكبرى التي تملك التجهيزات والخزانات الضرورية للاستيراد، وبين الشركات الصغيرة التي لم تكن تملك سوى القوارير المعدنية ووسائل النقل. وكانت الشركات الكبرى في موقف تنافسي أفضل، إذ كانت تحتسب كلفة طن الغاز على أساس السعر الأقل، بالنسبة إلى شركات التوزيع التي تملكها، بينما تحتسب السعر الأعلى بالنسبة للشركات الأخرى الصغيرة. وفي 1968 - 1969، وعلى أثر انخفاض أسعار الغاز المستورد بدرجة ملموسة، نشبت أزمة حادة بين الفريقين تطلب حلها كثير من الجهد والنقاش. فالفريق المتضرر، وهو مجموع الشركات الصغيرة، كان يطالب برفع الغبن عنه بتحديد سعر موحد يحقق المساواة بينه وبين الشركات الكبرى. وشكل وزير الاقتصاد آنذاك سعيد حمادة لجنة اقترحت نتيجة دراسات قامت بها، إنشاء مجمع يضم الغاز المحلي والغاز المستورد وتحديد سعر موحد لكل طن يوضع في الاستهلاك. إلا أن هذا الاقتراح لم يحظ بالموافقة، علماً بأن الشركات المستوردة كانت تمتنع عن سحب كامل حصصها من المصفاتين مفضلة الاستيراد عندما تنخفض أسعار الغاز في الخارج ما يتيح لها تحقيق اكبر قدر من الأرباح، بينما تضطر المصفاتان إلى حرق كميات الغاز الفائض وتقيد الخسارة في باب النفقات وتستردها من الصندوق المستقل للمحروقات. وانتهت مشكلة الشركات الصغيرة بتخصيصها نسباً مئوية من الإنتاج المحلي تتناسب مع الرقعة التجارية لكل منها، ولم تعد بالتالي تعتمد في الحصول على حاجاتها من الشركات الكبرى في مقابل علاوة مالية عن كل طن. أما بالنسبة إلى مشكلة حرق كميات الغاز المحلي التي لم تكن تسحبها الشركات الكبرى من المصفاتين، فعولجت في شكل يضمن حق الخزينة (الصندوق المستقل للمحروقات) لأن كل خسارة في الإنتاج كان يتحملها الصندوق حسب اتفاقات التسعير المعقودة مع المصفاتين. وبعد اقتناع المسؤولين بواقع الأمر أصدر وزير الاقتصاد نزيه البزري عام 1974 قراراً يلزم شركات توزيع المحروقات وإخضاع استيراد الغاز إلى الإجازة المسبقة إفساحاً في المجال أمام الدائرة المختصة في الوزارة للتأكد، عبر المصفاتين بأن الشركة طالبة إجازة الاستيراد سحبت كامل حصتها من الإنتاج المحلي. ووجهت الوزارة تعليماتها إلى المصفاتين بإلزام الشركات المتعاقدة معها كامل إنتاجها وعدم حرق أي كمية تحت طائلة المسؤولية. كاتب متخصص بشؤون الطاقة - بيروت