بعد أن أحضر معه إيصالات الإيداع المصرفي في جلسة الحكم، بدا وكيل شركة التنقيب عن النفط واثقاً من كسب القضية، فموكلته دفعت مبالغ إلى المدعى عليه وهو مكتب للتخليص الجمركي، ولم يقم المكتب بإجراءات التخليص، فعليه إعادة المبالغ التي تسلمها من المدعية. لا مبرر لقلق وكيل المدعية، فوضوح القضية يفرض نفسه على من يتصدى للحكم فيها. هذا التبسيط من وكيل المدعية لدعوى موكلته أكسبه اطمئناناً لموقفه القضائي، وصرفه عن التعمق في البحث عن ثغرات مطالبة موكلته، وعن القيام بواجبه كمحامٍ في الكشف عن النقاط القلقة في القضية، وإيجاد التفسير المنطقي لها بما يوائم موقف موكلته ويعضده، ويحميه من التشويش والارتباك. يترجل المحامي عن احترافيته حين يكتفي بمهمات يسدُّها من هو دونه في الكفاءة والمهارة، فوظيفته ليست مقتصرة على سرد دعوى موكله أو دفوعه أمام القضاء كما رُويت له من دون فحص موقف موكله مدعياً كان أم مدعى عليه، فبيان واقعة سبب نشوء الالتزام مكتملة الجوانب، ثم تفصيل مآل الالتزام بالبقاء أو الوفاء أو الإبراء، وتأييد كل ذلك بالبينة أو القرينة، مع التأهب لإيرادات الخصم واستفسارات القضاء وطلباته هو جوهر عمله. في قضيتنا - المُشار إليها سابقاً - حكمت المحكمة الابتدائية في الدعوى لمصلحة مكتب التخليص الجمركي برفض دعوى شركة التنقيب عن النفط، وأؤيّد الحكم من محكمة الاستئناف، وكانت أسباب الحكم واضحة كما توقع وكيل المدعية، ولكن لمصلحة خصمه لا لموكلته، إذ فات عليه الانتباه لاسم صاحب الحساب المدوّن في إيصالات الإيداع المصرفي، إذ كانت الإيداعات المصرفية في حساب شخصي لأحد موظفي مكتب التخليص وليست في الحساب المصرفي المسجل باسم المكتب أو باسم مالكه. وبهذا يظهر أن خطأ المدعية البيّن، والمخالف لأبجديات احتراف التجارة مسقطٌ لمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه، ومحرر المدعى عليه من مسؤولية الرقابة على موظفيه، باستغراق خطأ المدعية لأي خطأ آخر يمكن نسبته للطرف الآخر. الدفوع البدهية لن تزعج المحامي الحصيف الذي يطعم دعواه بالاستشكالات القانونية والشرعية، وآفة كثير من الدعاوى المحقة نقص مناعتها من الاعتراضات المُضَلِلة. * قاضي في ديوان المظالم سابقاً. [email protected]