ظلت «لعنة العنف» الذي شهدته محافظة إربد، عاصمة الشمال الأردني، تطارد حكومة عبدالله النسور خلال الأيام الماضية، ولاحقتها أمس وأول من أمس مع بدء أعضاء البرلمان مناقشة البيان الوزاري، الذي على أساسه ستنال الوزارة الجديدة الثقة. وأقدم مجهولون أمس في محافظة إربد، التي تشهد توتراً منذ الأسبوع الماضي، على إحراق عقار ضخم تعود ملكيته لجماعة «الإخوان المسلمين»، ومحاولة آخرين إحراق مقر الجماعة الرئيسي داخل المحافظة ذاتها، قبل أن يتصدى لهم أفراد شرطة كانوا يحرسون المكان. وكانت أجهزة الشرطة الأردنية قمعت بالقوة تظاهرة يوم الجمعة الماضي نظمتها «تنسيقية حركات الشمال» وتنسيقيات أخرى تتبع جماعة «الإخوان» في أحد أحياء إربد الفقيرة، ما أدى الى اصابة عشرات المتظاهرين. واستمر التوتر في المحافظة في اليوم التالي (السبت) حيث اندلعت حتى اشتباكات دموية بين مؤيدين ومعارضين. ويبدو أن عودة الاحتجاجات ودعوة المعارضة الإسلامية والعلمانية إلى تظاهرات جديدة الجمعة المقبل، سيجعل الحكومة حال اجتيازها الثقة تسير على حبل رفيع، بين برلمان يحاول جاهداً مجاراة الشارع هرباً من مصير برلمانات سابقة حلت تحت ضغط شعبي لتماهيها مع السلطة، ومعلومات تفيد بعدم رضا مراكز قرار عنها بسبب تشكيلتها خصوصاً داخل أوساط مؤثرة لدى جهاز المخابرات العامة (واسع النفوذ)، وهو ما يجعل النسور أمام مواجهة نادرة مع الجميع. وربما تتجلى هذه المواجهة مع تأكيد مساعدين رسميين ل «الحياة» بأن رئيس الوزراء، الذي تضرر كثيراً بسبب أحداث إربد الأخيرة، لم يكن يعلم بتوجه الأجهزة الأمنية إلى فض التظاهرات بالقوة، وهو ما يفتح الباب أمام أسئلة كبيرة ما زالت معلقة في خصوص توقيت القرار ومبرراته، وهوية الجهة التي تقف خلفه. وكان الرئيس شكل لجنة وزارية للنظر في ما حدث، وهي خطوة رأى فيها البعض أنها تشي بشكوك جدية لدى الحكومة في شأن الجهة المستفيدة من توتير الأجواء، قبل يومين فقط على موعد تلاوة بيان الثقة. وكان البرلمان الأردني بدأ منذ الاثنين الماضي بمناقشة بيان الحكومة في جلسات صباحية ومسائية تستمر 5 أيام، وسط توقعات بنيل النسور «ثقة» متدنية، إثر اتهامات وجهت إليه بتجاهل مشاورات النواب ورفضه توزير بعضهم. وشهد أمس لقاءات متواصلة بين الرئيس وفريقه من جهة وكتل ونواب مستقلين من جهة أخرى، في محاولة لإذابة الجليد بين الطرفين، والوصول إلى توافقات غالبيتها خدمية. وسعى الرئيس إلى «مقايضة» الثقة بحكومته، كما يبدو، عندما تعهد أمام بعض الكتل الطامحة بإرضاء الشارع تأجيل رفع الأسعار، خصوصاً الكهرباء، حتى استنفاد كافة الحلول والوسائل لمعالجة الأزمة الاقتصادية. لكن محيطين بالنسور أكدوا ل «الحياة» أن التعهد المذكور لا يعدو كونه مناورة يبذلها الرئيس لتأمين العبور الآمن إلى مقر الحكومة، وأن قرار رفع سعر الكهرباء تحديداً لن يتم التراجع عنه بسبب ضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي على المملكة. وكانت مصادر نيابية أبلغت «الحياة» أن جهات رسمية أجرت اتصالات خلفية مع بعض خلال الأيام الفائتة لحضهم على تمرير الحكومة. وقال النائب جميل النمري، المعروف بميوله اليسارية «لقد بدأت الماكنة الرسمية عملها المعهود تحت القبة». وربما تخشى هذه الماكنة العودة للمربع الأول، فيما لو أخفقت الحكومة بامتحان الثقة، وهو ما يعني الرجوع مجدداً لدوامة المشاورات مع كتل طامحة بالحقائب، تعاني الانشطار والتشظي. وتوقعت المصادر أن لا تتجاوز ثقة البرلمان بالحكومة 80 إلى 85 صوتاً في حدها الأعلى. ويتعين على رئيس الوزراء نيل 76 صوتاً كحد أدنى من أصل 150، عدد نواب البرلمان. وكان النسور اتهم في بيان الثقة «أصحاب مصالح موجودين بيننا (لم يسمهم) يسعون إلى إيقاع الفتنة داخل منطقة تغلي، ولا ندرك ما هو الوقت الذي سيختارونه، لإحداث الشر في بلدنا». وأعلن إجراء تعديل وزاري جديد بعد أشهر ليتسنى له ضم بعض النواب الى الحكومة، فيما رأت المعارضة أن بيان الحكومة «لم يأت بجديد». وقال النائب المستقل محمود مهيدات إن «أجهزة رئيس الحكومة الأمنية انتهكت حرمة دماء أهل اربد»، فيما ذكر النائب محمود الخرابشة، الذي خدم طويلاً في جهاز المخابرات، ويعتبر من أشهد الموالين للنظام، إن «منح الثقة بالحكومة يعني سقوط هذا البرلمان شعبياً». وقال النائب العشائري سليم الزبن إن «الملك عبدالله الثاني جاد بتحقيق الإصلاح، إلا أنه محاط بلوبي أشبه باللوبي الصهيوني»، مضيفاً أن «هذا اللوبي حاول إجهاض الحراك، وابتكار ما يعرف بمجموعات الولاء، وبالتالي نجح بإغلاق العديد من ملفات الفساد».