في اليوم الذي استعاد فيه الفلسطينيون والعرب أحداث «معركة الكرامة» المجيدة في 21/3/1968 كان أكثر من 470 الف لاجئ فلسطيني مسجل في سجلات الأونروا في لبنان يبحثون عن كرامتهم المسلوبة، ويسألون عن حقهم بأن يعيشوا بكرامة الى ان يعودوا الى ديارهم وممتلكاتهم في فلسطين. يسألون عن حقهم في العمل، في التملك، في التنقل من والى خارج لبنان، في البناء، في الإستشفاء، في التعليم، في التمدد العمراني، في الشخصية القانونية لفاقدي الاوراق الثبوتية، عن تسجيل من هم غير مسجلين في سجلات وكالة الاونروا من اللاجئين، عن العيش في مناخ آمن فيه استقرار، وكذا انضم إليهم حوالى 35 الف لاجئ فلسطيني من سورية يبحثون عن الكرامة في أزقة المخيمات لعلهم يجدون مكاناً يبيتون فيه أو معونات يستجدونها من هنا وهناك في طوابير يجتمع فيها المضطر والمحتاج من الاطفال والنساء والرجال والمسنين والمعوقين وغيرهم. يحتاج اللاجئون في لبنان ان يفهم فريق سياسي لبناني بأن عيشنا بكرامة لا يعني التوطين ولا يلغي حقنا بالعودة. ان يعيش اللاجئ الفلسطيني بكرامة مسؤولية لا تتحملها الدولة اللبنانية وحدها على رغم ان توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سيساهم في تحقيق جزء من الاحتياجات الانسانية الضرورية التي تساهم في استكمال عناصر الحق في استعادة الكرامة، فللمجتمع الدولي، ممثلاً بالامم المتحدة، دور يتمثل بالتدخل لإنهاء حال اللجوء من خلال تكريس وتسهيل حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين وانهاء الاحتلال، وللأونروا دور من خلال التنسيق مع لبنان الدولة المضيفة، خصوصاً على مستوى قوننة الوجود الفلسطيني في لبنان، عدا عن توفير جميع احتياجات اللاجئين الفلسطينيين من الاغاثة والتشغيل والحماية. وللفصائل الفلسطينية دور في محاصرة اي خلل أمني داخل المخيمات والتنسيق مع الجميع لتوفير ما يلزم من احتياجات. وللجيش اللبناني دور في تحويل الصورة النمطية السائدة لدى العقل الفلسطيني الذي يعتبر ان حاجز التفتيش على مداخل المخيمات ليس لتوفير الحماية وانما للاهانة والاذلال وتكريس الحصار. ولمنظمات المجتمع المدني دور في التوعية لأهمية ممارسة الحقوق ولو بالحد الادنى عن ماهية الكرامة وادوات المطالبة بتحقيقها وممارستها على قاعدة الحقوق والواجبات. وللجان الشعبية والأهلية في المخيمات دور تفصيلي حياتي حيوي يومي من خلال العلاقات الأخوية والتقريب بين أبناء القضية الواحدة والتنسيق مع كافة الاطراف ذات الصلة بحال المخيمات اليومي وما يستجد من تطورات، والأهم اكتمال وجود هذه العناصر مجتمعة، وجلوسها على طاولة مستديرة للبحث في توزيع وتنسيق الأدوار بحيث يتحقق فعلاً لا قولاً «الكرامة للجميع». معركة الكرامة واحدة من المناسبات الوطنية الجامعة التي ترجمت وحدة القرار الفلسطيني والأردني. وعلى رغم قلة العدد والعتاد فقد تلقى جيش الاحتلال درساً مفصلياً من تاريخ الصراع العربي - الصهيوني. خسر الاحتلال 250 جندياً وجرح 450 وتم تدمير 47 دبابة و53 آلية مختلفة وسقطت سبعة طائرات حربية، في المقابل سقط من الشهداء 87 مقاتلاً اردنياً وجرح 108. ومن الجانب الفلسطيني سقط 95 شهيداً و200 جريح، حتى سمي ذلك اليوم بيوم استعادة الكرامة بعد هزيمة حزيران (يونيو) عام 1967. بعد 43 سنة وفي شهر ايار (مايو) من العام 2011 كشف الاحتلال عن وثائق سرية تعترف بفشله في معركة الكرامة، اذ ذكر حينها أن الجيش الإسرائيلي أخطأ في تقديراته العسكرية، معتقداً أن «الكرامة» خربة صغيرة، فيما هي بالفعل بلدة تضم آلاف المنازل، وكانت مقاومتها شديدة للغاية، حيث استهدف فدائيوها المدرعات والدبابات التابعة لوحدات الكوماندوز الخاصة بالقنابل اليدوية عن بعد أمتار، وفشل الاحتلال في تقدير قوة رد الجيش الأردني، وعدم تراجعه إلى عمّان، وضرورة استهدافه بالطائرات أولاً، كما اعترف قائد الجيش حاييم بارليف بأن الاستخفاف بالعدو، والتوغل أكثر من اللازم لعبا دوراً في الفشل، وقال إن النتائج وبقاء بعض المعدات الإسرائيلية أضرت بصورة إسرائيل، وقوة ردع جيشها. اذاً أمام ارادة الشعبين الفلسطيني والأردني سقط الهدف الاستراتيجي لجيش الاحتلال من معركة الكرامة الذي كان يمهد للاقتراب من العاصمة الاردنية عمان من خلال احتلال مرتفعات البلقاء وضم أجزاء جديدة من الاردن وتحويلها الى جولان آخر لتحقيق أهداف عدة أبرزها تدمير قوة المقاومة الفلسطينية وإرغام الأردن على قبول التسوية التي تفرضها اسرائيل، وبالشروط التي تراها ومن مركز القوة. أمام ذاكرة استعادة الكرامة في العام 1968، كلاجئين فلسطينيين في لبنان ومعنا الكثيرون من المتضامنين من العرب وغير العرب، نحن أمام تحد حقيقي لممارسة كل الوسائل السلمية للضغط على كل من يعنيه الأمر لنيل حقنا بالعيش بكرامة مثل بقية شعوب العالم حتى تتحقق العودة. فأن يصمت إنسان على كرامة تهان فليس هذا بشيء من الكرامة.