يلاقي أزواج «مضايقة» من زوجاتهم، تُطْبق على أنفاسهم وتقلقهم في النوم واليقظة وتصادر فيها شخصياتهم وتهمش أدوارهم في «عنف مقلوب» لم يعتده المجتمع، يضطر كثير منهم إلى الرضوخ أمام نزوات النساء في سيادة البيت وتحريك أفراده كقطع شطرنج وسط جبروت أنثوي عنيف. وعلى رغم تزايد الحالات التي ترصدها مراكز الاستشارات الأسرية في الفترة الأخيرة لرجال يشكون من «سلطوية» نسائهم، إلا أنه لا توجد أرقام دقيقة تحصي هذه الحالات، كما أن كثيراً من الحقوقيين لا يصنفونها «ظاهرة يُعتد بها». ويعزو الاختصاصي النفسي جعفر آل خزعل، عنف المرأة ضد زوجها إلى «عدم التكافؤ في المستوى الاقتصادي والاجتماعي، كأن يكون الرجل لا يعمل أو أن راتبه قليل مقارنة بالزوجة التي تملك أو تنفق على الأسرة، ما يفقد الزوج القوامة على الزوجة والأسرة». لافتاً إلى العامل الاجتماعي، «كأن تكون أسرة الزوجة من طبقة اجتماعية أعلى ولكنها تزوجت متأخرة بسبب العنوسة أو ما أشبه، فتستقوي على الزوج وتُعايره بمستواه الاجتماعي. وكذلك المستوى العلمي، فقد تكون الزوجة متعلمة تعليماً جيداً، بينما تعليم الزوج محدود». ولم يُغفل خزعل في تصريحه إلى «الحياة» «الخلل الهرموني الذي يدفع بعض النساء إلى الاسترجال، وكذلك طرق التنشئة أو أن تتربى أنثى وسط عدد من الذكور، فتتعرض لأزمة هوية، فتأخذ الجانب الذكوري لتعيش مع الزوج وظاهرها أنثى وفي داخلها رجل». لافتاً إلى أن أهم سبل علاج هذا النوع من العنف الأسري «التنشئة السليمة وتكافؤ الزواج من الناحية العلمية والاجتماعية والاقتصادية، وبروز ثقافة تؤطر دور كل فرد في الأسرة وتُلزم كل شخص بواجباته وحقوقه». واقترح فحص الفتاة التي تتأخر عن البلوغ «خوفاً من وجود مشكلة هرمونية قد تؤدي إلى حال استرجال، خصوصاً لمن يتعرضن إلى زيادة خارجية من الهرمونات الذكورية نتيجة لتغذية غير مناسبة تزيد الهرمونات المُذكرة». بدوره، يعتبر المدرب على حقوق الإنسان والثقافة المدنية الدكتور ذاكر آل حبيل، ندرة وقوع العنف النسائي ضد الرجال «سبباً في ألا تُتخذ تجاهه التدابير اللازمة للحد منه». ويقول: «حتى الجهات المعنية بإنفاذ القانون من مراكز شرطة ومؤسسات عدلية، إذا ما عرضت عليها قضية عنف نسائي ضد الرجل، قد يحلو لهم التخفيف من تشديد التحقيق والعقوبة تعاطفاً مع المرأة، بسبب تاريخ العنف المُمارس ضدها، أو الأخذ في الاعتبار بأن عنف المرأة ضد الرجل قد يأتي غالباً كرد فعل على عنفه». مشيراً إلى أن الحالات المُسجلة من عنف المرأة ضد الرجل في المملكة «ليست بالكم المُقلق أو يرقى إلى الظاهرة»، ومؤكداً ضرورة «تسليط الضوء عليها جدياً، وأن تشارك في علاجها جميع الإدارات المعنية بها حتى لا تتفشى وتزداد آثارها السلبية على الكيان الأسري والاجتماعي». ويقول آل حبيل: «إن العلاج المعرفي عند المعالجين والمرشدين النفسانيين قد يؤتي أُكله في شكل ضمني، إذا ما استجابت المرأة، وإذا ما اطّلعت في شكل كافٍ على المعارف الحقوقية التي تضمن لها معرفة حقوقها وفق الضمانات القانونية المعمول بها في بلادها». ويصف عنف المرأة ضد الزوج ب«العنف المقلوب، باعتبار أن العنف الأسري المُسجل عبر التاريخ الإنساني هو عنف ذكوري تقرره الهيمنة التي اكتسبها الرجل عبر انحياز الثقافة الاجتماعية، وبرمجتها الرمزية لصالح الرجل». عنف... أم دفاع عن الذات؟ ويعتبر مدير مؤسسة «التجديد الثقافي» الشيخ محمد الدحيم الذي سبق له العمل في القضاء، التعنيف النفسي «أشد أنواع العنف، لأنه ينزع الثقة ويقلل الاحترام ويدمر المعنويات». فيما يعتبر عنف الزوجات «ممارسة غير سوية تمارسها الزوجة تجاه زوجها». ويرجع بعضه إلى «الطباع والتنشئة وعدم القدرة على الانسجام مع الزوج، وكذلك الاختلاف الثقافي»، مشيراً إلى أن عنف بعض الزوجات يكون «رد فعل لممارسات الزوج نفسه، فهي تعبّر من خلال العنف عن حال دفاع عن ذاتها». وينوّه إلى أن انتشار العنف «يختلف من مجتمع إلى آخر، بحسب اختلاف الثقافات ومستوى الوعي بالأسس التي تقوم عليها الحياة الزوجية»، لافتاً إلى أن من مسوغات العنف «المستوى المعيشي للمرأة مع زوجها، فالأسس التي يبنى عليها اختيار الزوجين هي التي تحدد بوصلة التوافق والانسجام والتماثل، فإذا كانت قبل الزواج تعيش حالاً جيدة في بيت أهلها، ثم تنتقل إلى زوج ضيّق الحال بسبب قلة ذات اليد أو لسبب أخلاقي، كالبخل مثلاً، ففي هذه الحال قد تصبر عليه وتتجاوز قصوره المادي». ويعبّر عن حال ما بعد الزواج من خلال الوعي بالأدوار التي يقوم بها كل فرد بالأسرة، كما أن بعض حالات العنف قد وصل إلى كونه «مرضاً، يستدعي العلاج النفسي».