تستضيف العاصمة الصينية بكين في 21 الشهر الجاري، منتدى «الصين - أفريقيا للتنمية والتعاون الصناعي 2009»، ترعاه جمعية التعاون الصناعي الصيني. ويشارك في المنتدى وزراء صناعة ورجال أعمال من أكثر من 40 دولة أفريقية. ويرمي هذا المنتدى إلى دفع علاقة الشراكة والتعاون الاستراتيجي بين الصين وأفريقيا وتعميقها وتعزيز الاستثمار والتبادل والتعاون الدولي في مجال الصناعة وإنشاء شبكات لربط المعلومات الصناعية ومؤسسات الصناعة. يأتي المنتدى كلقاء ثالث خلال شهر، بعد مؤتمر رجال الأعمال الصيني - الأفريقي الذي توجه المنتدى الرابع للتعاون الصيني - الأفريقي في شرم الشيخ. وتتوالى أحداث التعاون في موازاة لقاء برلمانيين عرب وأفارقة في العاصمة المغربية الرباط يطالبون بإنشاء تكتلات اقتصادية في أفريقيا، في حين يوجد عشرةٌ منها على الأقل إقليمية إضافة إلى «الاتحاد الأفريقي» ومبادرة الشراكة الجديدة للتنمية الأفريقية (نيباد). لكن تطغى العلاقات الصينية – الأفريقية على واجهة الأحداث الاقتصادية، بخاصةٍ أن خبراء عالميين يؤكدون أن الأزمة الاقتصادية العالمية أسفرت عن انتقال «الرأسمالية» وأنظمتها إلى جنوب آسيا حيث يتكوّن مركز الثقل الاقتصادي العالمي مستقبلاً، وتبدأ المنافسة في ما بين قوى الجنوب وليس في ما بينها وبين قوى الشمال. وأظهرت لقاءات شرم الشيخ التي انتهت قبل أسبوع، التصميم الصيني القوي لبناء علاقات متينة مع القارة الأفريقية. عام 2000 نظمت الصين أول منتدى للتعاون مع أفريقيا بطريقة خجولة. بعد ست سنوات، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، دُهش العالم من رؤيته 48 رئيس دولة أفريقية يجتمعون في بكين في قمة لا تُضاهى على امتداد القارة الآسيوية. بين القمتين ازدادت قيمة التبادل التجاري من 10 إلى 55 بليون دولار، وبلغت قيمة الاستثمارات الصينية المتراكمة في أفريقيا 4.46 بليون حتى منتصف 2008. التقارب المتأني واعتمد التمدّد الصيني في بلدانٍ أفريقية أشكالاً ثلاثة: استثمارات المؤسسات الصينية المباشرة العامة أو الخاصة، لا سيما في حقل المواد الأولية، واستثمارات مؤسسات عامة في إطار برامج تعاون بخاصةٍ على صعيد البنية التحتية، ووصول مهاجرين تجذبهم شروط حياةٍ أقل صعوبة مثل التجار الصغار، الذين يتسببون في منافسة مباشرة مع السكان الأصليين. ويشكل النفط في إطار هذا «الولع» الصيني بأفريقيا، نصيباً كبيراً، ويمثل 13 في المئة من إمدادات أفريقيا للعالم وأكثر من 20 في المئة من تغذية الصين لا سيما من كونغو وأنغولا. كما للمواد الأولية نصيبٌ أيضاً، أهمها الحديد، النيكل، اليورانيوم والخشب... ويبيع الصناعيون الصينيون منتجاتهم في أفريقيا بأسعار جيدة، أهمها النُسج والأحذية، مخيبين آمال الصناعيين المحليين في هذين القطاعين، الذين يضطرون غالباً إلى إقفال محلاتهم. ويبيع الصينيون أيضاً الفولاذ، السيارات وتجهيزات الاتصالات. ولا يخفى أن الصين التي تموّل مشروعات في البنية التحتية وغيرها تبيع معها الخبرة الهندسية الصينية والتكنولوجيا المصاحبة لبناء المشاريع ومستلزماتها، وتنمّي قطاع المقاولات. وإذا كانت بكين مدفوعة للبحث عن ضمان إمدادات الطاقة وأهداف تجارية أخرى، فإنها تسعى في المقابل إلى تصدير «نمط صيني حقيقي» من التعامل، يرتكز إلى مبدأي الثقة المتبادلة وليس التدخل في الشؤون السياسية، والتعاون بروحية الربح المتوازن والعادل على الصعيد الاقتصادي، كما تقول رئيسة مركز آسيا للمؤسسة الفرنسية للعلاقات الدولية فاليري نكيه. في الكتاب الأبيض عن سياسة الصين في أفريقيا عام 2006. ففي محاولة لكسب ود الأفارقة، قدمت الصين اتجاهاً مغايراً لنمط العلاقات الغربية. القروض غالباً بفوائد ميسرة، تنفيذ البنية التحتية يتم كاملاً، ولا تحمل المساعدات شروطاً خاصة غير التجارية. لكن في المقابل تعرّضت الصين لاتهامات من مؤسسات دولية ودول ومنظماتٍ غير حكومية بأنها تنهب الموارد وتضر بالبيئة ويتبع المستثمرون الصينيون شروط عمل في المناجم والمؤسسات أو في المشاريع أقسى مما في الصين، ويثير شراؤها الأراضي في أثيوبيا قلقاً بالغاً. وتشترط بكين أيضاً في مقابل مساعداتها قطيعة أفريقية مع تايوان، ونجحت في هذا المجال لكنها في المقابل تواجه منافسةً قوية مع التغلغل الياباني والهندي. في مطلق الأحوال غيّرت الصين المشهد السابق الذي خلفته سياسة صندوق النقد الدولي (تسعينات القرن الماضي) والسلوك الغربي اللذين فككا مؤسسات الخدمات العامة وقضيا على الثقافة الوطنية. رفاهية الشعوب وتهدف الإجراءات الثمانية التي أعلنها رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو في مؤتمر شرم الشيخ (8 – 9 الشهر الجاري)، إلى الاستمرار في تحقيق السياسة ذاتها، أي تحسين قدرة الدول الأفريقية على التنمية الذاتية. وتركز اكثر على تحسين رفاهية الشعوب والرعاية الصحية والتعليم وبرامج التنمية الاجتماعية الأخرى وتشييد بنية تحتية زراعية وأساسية وحماية البيئة الإيكولوجية. واقترحت (على سبيل المثال) بناء مئة مشروع للطاقة النظيفة من الطاقة الشمسية والغاز الحيوي ومحطات طاقة مائية صغيرة وتأمين 500 مليون يوان (73 مليون دولار) قيمة معدات طبية ومكافحة الملاريا ومواد لثلاثين مستشفى وإنشاء ثلاثين مركزاً للوقاية من الملاريا ومكافحتها تبنيها الصين. ومنذ 2006 دخلت منتجات أفريقية عديدة الأسواق الصينية وبلغت قيمة التبادل التجاري 107 بلايين دولار عام 2008 مناصفةً تقريباً بين الشريكين مع فائض تجاري لمصلحة الصين، وازدادت الاستثمارات الصينية في أفريقيا خلال الأرباع الثلاثة الأولى من السنة الحالية، 77 في المئة. وساعدت الصين أفريقيا في بناء مدارس ومستشفيات ومراكز مكافحة الملاريا وعلاجها، استفاد منها أكثر من مئة مليون أفريقي. وتؤكد الصين أنها ليست اكبر الدول المستوردة للنفط من القارة، فوارداتها تمثل 13 في المئة فقط من صادرات النفط الأفريقية. واستثماراتها في النفط والغاز الطبيعي الأفريقي لا تتجاوز 6.25 في المئة من الاستثمارات العالمية في هذا المجال. وفي حين تعد شركة «سي ان بي سي» من اكبر شركات النفط الصينية، غير أن عائداتها السنوية لا تتجاوز ثلث عائدات شركة «اكسون موبيل». وركّزت الصين على تنمية البنية الأساسية، وتوثيق التعاون في الزراعة والتعليم والصحة والبرامج الاجتماعية، باعتبارها حاجة أساسية للشعوب الأفريقية. وأنشأت 3300 كيلومتر من الطرق، و2200 كيلومتر من خطوط السكك الحديد، وتساعد أفريقيا حالياً في بناء شبكات الاتصالات. وأرسلت فرقاً طبية إلى أفريقيا، ساعدت في علاج المرضى. ويجرى حالياً تنفيذ نحو 1600 مشروع ترتبط بالصناعات المعالجة، منها مشروع مشترك لتنمية مناجم النحاس في زامبيا يؤمن وظائف للسكان المحليين. ومراكز تدريب في شركة «هواوى» للتكنولوجيا في مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وتوظف عدداً كبيراً من السكان المحليين ممن ليسوا فقط على مهارة عالية بل يتحدثون أيضاً اللغة الصينية. لكن الاستثمارات الصينية تتخطى مجالات الموارد الطبيعية. فأكبر مصارف الصين «اي.سي.بي.سي» يملك 20 في المئة من «ستاندرد بنك» في جنوب أفريقيا. وبدأت أيضاً شركة «بير زد.تي.أي» الصينية تكتسب أهمية أكبر في أفريقيا. وبلغت قيمة المساعدات الصينية للقارة 76 بليون يوان (11 بليون دولار) حتى أيلول (سبتمبر) 2009 وقيمة القروض الإجمالية نحو 6.7 بليون حتى عام 2008. النموذج الأفريقي لا تحاول الصين أن تسلب الطابع الأفريقي عن القارة، ويقول وان جيا باو: «يسعى محللون إلى تقديم وصفات علاجية للتنمية الأفريقية، بعناوين مثل «توافق واشنطن» أو «نموذج بكين». لكن يبدو لي أن التنمية الأفريقية ينبغي أن تتأسس على ظروفها الخاصة، وتتبع مسارها الخاص، وهو النموذج الأفريقي». لكن نادراً أن يمرَّ يوم من دون أن تبرم الصين اتفاقاً جديداً للطاقة والموارد مع دولة أفريقية ما، وتضر هذه الاتفاقات بالغرب بينما تكسب الصين أكثر من الموارد. ويبلغ الناتج المحلي الأفريقي نحو 1.2 تريليون دولار توازي تقريباً ربع حجم الاقتصاد الصيني وقيمته 4.4 تريليون. وتقدم أفريقيا للصين دعماً دبلوماسياً مهماً لا تلقاه عادة من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي أو من دول آسيوية. وتملك الصين وفرة القروض ذات الفائدة المنخفضة والقدرة على صنع الأشياء في شكل جيد جداً وبثمن معتدل جداً.