تشكل مبايعة "جبهة النصرة" لزعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري، فرصة ذهبية تعزز موقف النظام السوري الذي يندد منذ بداية الازمة ب"مؤامرة" تنفذها "مجموعات ارهابية" بتمويل خارجي، وتشجعه على تصعيد حملته العسكرية ضد معارضيه. في الوقت نفسه، من شأن هذا الاعلان ان يحرج اكثر الدول الغربية المطالبة برحيل النظام والمترددة في تسليح مقاتلي المعارضة خشية وقوع اسلحتها في ايدي متطرفين معادين اجمالا للغرب. ويرى مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام ابو عبد الله ان "انكشاف الارتباط بين القاعدة وجبهة النصرة هو بالتأكيد نقطة لصالح النظام تعزز الرواية السورية (الرسمية) وتؤكد وجود دور لقوى خارجية". ويضيف "انها تضعف المعارضة امام الرأي العام السوري والرأي العام الدولي". واعلن زعيم جبهة النصرة ابو محمد الجولاني مبايعة زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري، "على السمع والطاعة". وتلقفت دمشق هذا الاعلان لتذكر عبر وزارة خارجيتها انها لطالما "حذرت من ارتباط الارهابيين (الذين يقاتلون في سورية) بتنظيم القاعدة وخطورة الجرائم التي يرتكبونها في سورية استناداً الى فكر ظلامي وفتاوى تكفيرية". وطالبت مجلس الامن الدولي بادراج جبهة النصرة على لائحته السوداء للتنظيمات المرتبة بالقاعدة. ويقول الخبير الفرنسي في الشؤون الاسلامية في سورية توما بييريه ان "كل ما يساهم في ربط المعارضة بالقاعدة يشكل تقدمة ثمينة للنظام الذي يمكنه الاكتفاء بمراقبة التركيز الاعلامي الغربي على هذا الموضوع، ليستنتج منطقياً ان التطرف العقائدي في صفوف معارضيه يشغل الغربيين اكثر من اطنان المتفجرات التي يلقيها يوميا على شعبه". ويرى عبدالله الذي عمل لسنوات مستشاراً ثقافياً في السفارة السورية في تركيا، ان دخول القاعدة علناً على خط النزاع السوري المستمر منذ عامين، هو بمثابة ضوء اخضر للجيش النظامي لرفع وتيرة هجماته". ويضيف في اتصال هاتفي ان "الايام المقبلة ستشهد بتقديري اداء مختلفا للجيش السوري الذي سيبدأ عمليات للحسم الشامل". ويتابع "الوضع اصبح مكشوفا وواضحاً سنرى تحولاً كبيراً في الميدان وتسعيرا في الوضع العسكري لتوجيه ضربات قاصمة الى هذا التنظيم". كتبت صحيفة "الوطن" السورية القريبة من السلطات تعليقاً على المبايعة "انها القاعدة وليست ثورة سلمية قامت بصدور عارية، كفاكم كذباً ودجلاً وخداعاً". على الارض، يحاول الجيش الحر الذي يقول انه يقاتل من اجل احداث تغيير ديموقراطي في سورية، التمايز عن جبهة النصرة، ولو انه يقر ان التعاون "التكتيكي والموضعي" موجود بينهما "بحكم الامر الواقع". في حين يؤكد قادته انهم على استعداد لاعطاء الدول التي تريد تسليح المعارضة ضمانات بان هذه الاسلحة لن تصل الى ايدي المتطرفين. وبات معلوماً ان جبهة النصرة التي لا يزال الغموض يحيط بنشأتها هي اكثر تنظيما وتسليحا وافضل تمويلا من المجموعات المسلحة الاخرى. ويقول تشارلز ليستر، المحلل في مركز "جاينز" المتخصص في شؤون الامن والارهاب في لندن ان عناصر النصرة "اكتسبوا سمعة ميدانية بقدراتهم القتالية وشجاعتهم، وادوا دورا تقريبا في كل انجاز مهم حققه الثوار منذ الصيف الماضي". ويضيف ان الوقائع الاخيرة تضع الدول الغربية "في موقف شائك"، لا سيما ان "التعاون بين المجموعات على الارض يجعل تسليح مجموعات معينة (دون اخرى) مهمة شبه مستحيلة". وبحسب خبراء وناشطين، يبلغ عدد مقاتلي المعارضة حوالى 140 الفا، بينما لا يتجاوز عدد المقاتلين الاسلاميين سوريين وغير سوريين الثمانية آلاف في كل سوريا. ولا يمكن التحقق من هذه الارقام. ويرى ليستر ان الدول الغربية "تشك منذ وقت طويل بوجود صلات بين جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، والارجح ان هذا الامر كان سببا رئيسيا لعدم رغبتها في تسليح اي مجموعة مقاتلة". ويسأل بسام ابو عبدالله بدوره عما سيكون عليه موقف الغرب قائلا "لا تستطيع المعارضة السورية ان تبرر وجود عناصر غير سورية وجهادية في سورية، خصوصا امام الاوروبيين". ويضيف "الوضع بات محرجا للمجتمع الغربي الذي يدعي دعمه للتحول الديموقراطي وغير ذلك من الشعارات". وتحرص دمشق على اللعب على وتر الاحراج هذا. فقد رأت وكالة الانباء الرسمية السورية (سانا) ان ارتباط القاعدة والنصرة "يضع مصداقية الاممالمتحدة ومجلس الامن الدولي والدول المستقلة امام اختبار حقيقي عليها خلاله الاختيار بين الانحياز للارهاب، او الاعتراف بحق الشعب السوري وحكومته بمكافحة الارهاب انسجاما مع الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن". لكن بالنسبة الى توما بييريه، الامر على العكس قد يريح الغرب، اذ "يعطيه حجة اضافية لتبرير عدم تحركه وصمته" ازاء ما يجري في سورياُ، معرباً عن اعتقاده بان الغربيين "ليسوا مقتنعين فعلا بمساعدة المعارضة".