محافظ الخرج يشارك رجال الأمن الإفطار في الميدان    النفط يستقر مع ترقب السوق لزيادة إنتاج أوبك+ والرسوم الجمركية    نائب أمير الشرقية يستعرض مبادرات تأهيل الشباب والشابات    لبنان وسورية يؤكدان على ضبط الحدود    أميركا توقف تبادل المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا    منظومة إنسانية وإغاثية تقدمها المملكة في شتى بقاع الأرض    "مشروع الأمير محمد بن سلمان" يجدد مسجد القلعة    القبض على يمنيين في نجران لترويجهما (153,735) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    جمعية إنماء الأسرية بفيفاء بجازان تطلق باقة برامج رمضانية متنوعة    ولي العهد يهنئ كريستيان شتوكر بتشكيل الحكومة النمساوية وأداء اليمين    كيف حوَّل روكو فورتي شكل قطاع الضيافة الفاخرة بعد سقوط إمبراطورية عائلته؟    الفالح: «تسويق الاستثمار» يحفز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر    «الزكاة والضريبة والجمارك» تدعو المنشآت الخاضعة للضريبة لتقديم نماذج الاستقطاع الضريبية لشهر فبراير    «PIF» و«الصادرات الإيطالية» يوقعان مذكرة ب 3 مليارات دولار    بدء استقبال طلبات الاعتكاف في الحرمين الشريفين إلكترونيًا اليوم    غرفة تبوك تدعو رجال وسيدات الأعمال بالمنطقة لافتتاح ديوانية الغرفة    «الأسمري» نائباً لرئيس الرقمنة وذكاء الأعمال    المظالم يطلق مبادئ وأحكام باللغة الصينية    رئيس البرلمان العربي يشيد بمخرجات القمة العربية    لأول مرة طالبة من تعليم الطائف تتأهل إلى مسابقة آيسف على مستوى المملكة    قتلى واعتقالات ..حملة أمنية تلاحق «فلول الأسد» في اللاذقية    40 جولة لتعطير وتطييب المسجد النبوي    فقيه للرعاية الصحية تحقق إيرادات 2.8 مليار ريال في العام المالي 2024 بنمو بنسبة 20% وتسجل صافي ربح عائد 287.6 مليون ريال    ظل ملفوفاً داخل كيس ل 6 أعوام.. استخراج جوال من معدة سجين    في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. ليفربول ضيفًا على باريس    ولي العهد مترئساً مجلس الوزراء: نعتز بخدمة الحرمين    حائل: القبض على مرتكبي واقعة تصادم بين مركبتين لخلاف بينهما    14 دبلوماً لتعزيز مهارات أفراد العدالة    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية مترئساً وفد المملكة في القمة العربية: نرفض سياسات الاستيطان والتهجير والمساس بحقوق الفلسطينيين    40 ألفاً أُجبروا على النزوح.. 28 شهيدًا منذ بدء الاحتلال عدوانه على جنين    طارق طلبة مديراً لمكتب «عكاظ» بالقاهرة    تكريم الفائزين بمسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن    وزير الدفاع ونظيره السلوفاكي يناقشان المستجدات الدولية    عمرة بلا معوقات    في ذهاب ربع نهائي آسيا 2.. التعاون يعود بتعادل ثمين من ميدان تراكتور    5 نصائح لضبط أعصابك في العمل    ولادة طفل بريطاني بعين واحدة    وفاة" الذراع الذهبية" منقذ ملايين الأطفال    الشرقية تحصد خمس جوائز في مسابقة خادم الحرمين لتحفيظ القرآن الكريم في دورتها ال 26    الهلال يسقط في آسيا بعد صمود 321 يومًا    انطلاق موسم القادسية الرمضاني.. وجوائز مالية ضخمة تنتظر الفائزين    التعاون يتعادل والحسم في القصيم    أوكرانيا في مأزق بعد تعليق المساعدات الأمريكية    أمير جازان يستقبل منسوبي الأمارة المهنئين بشهر رمضان    الأهلي يهزم الريان ويرفع الراس    لجنة الانضباط ترفض احتجاج الوحدة وتغرم مدربه بعد مباراة النصر    الفلسفة في ظل التحولات قصة إعمار وإلهام وطنية    سفرة رمضانية في مناوبة ليلية    الغول والكحول يؤكدان أن الفصحى لا تتطور    الحكومة اليمنية: تصنيف الحوثي إرهابياً خطوة مهمة لمواجهة التهديدات    الحقيقة !    التسامح.. سمة سعودية !    «الشؤون الإسلامية» تقيم مأدبة إفطار للصائمين بالجبل الأسود    سماء العُلا يعود في أبريل    4 ملايين فحص لنقل الدم بالمناطق    وزير الدفاع يبحث مع نظيره السلوفاكي المستجدات    محافظ الطائف يشارك قادة ومنسوبي القطاعات الأمنية بالمحافظة الإفطار الرمضاني    أبٌ يتنازل عن قاتل ابنه بعد دفنه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعطيل مسار العدالة الانتقالية في تونس يحرم ضحايا الاضطهاد من رد الاعتبار
نشر في الحياة يوم 08 - 04 - 2013

لم تستطع الحكومات المتوالية في تونس إطلاق مسار العدالة الانتقالية طيلة العامين الماضيين، على رغم أن حجم الأحقاد والصراعات في هذا البلد ذي الطباع المعتدلة أقل بكثير من مثيله في بلدان أخرى تمت فيها العدالة الانتقالية. والعدالة الانتقالية ليست مسألة قضائية كما قد يُفهم منها للوهلة الأولى، وإنما هي مسار متكامل يجعل المجتمع يرى صورته الحقيقية في المرآة، فهي تقوم أولاً على الحكي، أي أن يروي ضحايا الاضطهاد ما تعرضوا له في الفترة الحالكة السابقة، ولكن من دون أن تقود تلك القصص بالضرورة إلى إحالة المسؤولين عن ذلك الاضطهاد على المحاكم. وبتعبير آخر فإن مسار الملاحقة القضائية منفصل عن العدالة الانتقالية، وإن كان مُكملاً لها. وبفضل الثورات الديموقراطية في أميركا اللاتينية في ثمانينات القرن الماضي، أمكن تطوير هذا المفهوم وبخاصة من خلال تجربتي بيرو وتشيلي.
كما ساهمت تجارب الانتقال الديموقراطي في أوروبا الشرقية والوسطى في تسعينات القرن الماضي أيضاً في تعميق أسس العدالة الانتقالية فكراً وممارسة، إلى جانب التجربة الفريدة التي عاشتها أفريقيا الجنوبية بعد القضاء على نظام التمييز العنصري، والتي اقتبسها المغاربة لإطلاق مسار العدالة الانتقالية الوحيد في العالم العربي في أعقاب وفاة الملك الحسن الثاني سعياً إلى طي صفحة سوداء من المحاكمات والاغتيالات والتعذيب. وكلما كان ميراث القمع والانتهاكات ثقيلاً زادت الحاجة إلى العدالة الانتقالية، وقد شمل هذا المسار حتى اليوم أربعين بلداً عبر قارات العالم.
اجتماعات... اجتماعات
لم تُبصر دول الربيع العربي إطلاق مسارات مماثلة، بينما ما زالت ملفات الحقبة الماضية تشكل مصدر صراع وتوتر دائمين بين الفرقاء في مرحلة ما بعد الثورة. غير أن تونس مؤهلة قبل سواها لخوض تلك التجربة، فعدد الاجتماعات التي عقدتها الوزارة المعنية بهذا الملف (تحمل اسم وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية) لا يُحصى، كما أن جمعيات وأحزاباً كثيرة وضعت مشاريع وأوراقاً تساعد على دفع هذا المسار، إضافة إلى سيل من الخبراء والوفود أتوا إلى البلد من أوروبا الغربية وأميركا اللاتينية وأفريقيا الجنوبية والبلقان لعرض خبراتهم.
ليست هناك مبررات مقنعة للتأخير في إطلاق مسار العدالة الانتقالية والذي اتفق اليمين واليسار على أن يشمل فترتي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة (1956 – 1987) وزين العابدين بن علي (1987 – 2011)، أي حوالى ستين عاماً. غير أن محللين يعتقدون أن حركة «النهضة» التي تقود الائتلاف الحاكم تنظر إلى الانتخابات العامة المتوقعة في أواخر السنة الحالية، ولا تريد أن تستعدي الجهاز الحزبي الذي استند إليه الرئيسان السابقان، آملة سحبه من منافسيها وخصوصاً الأحزاب التي تنتمي للفكر البورقيبي، أو في الأقل ضم بعض كوادره إلى صفوفها. ويستدل المحللون على هذا التأويل بإدماج عناصر كثيرة من الحزب المنحل «التجمع الدستوري الديموقراطي» في دواوين الوزراء أو تعيينهم محافظين وموظفين سامين، استناداً إلى ما دعته «خبرتهم التكنوقراطية».
وبحكم هذه الحسابات السياسية بدأ المجتمع يغوص في نسيان الماضي القريب والبعيد، مع أن الهدف الأول من العدالة الانتقالية هو منع نسيان الجرائم، تمهيداً لإنصاف الضحايا، فمن الضروري من أجل حفظ كرامة هؤلاء أن يُعترف لهم بوضع اجتماعي وأن يُرد لهم الاعتبار، وهذا جزء من واجبات الدولة إزاء الضحايا. الإنصاف والتعويض واجبان على الدولة كي لا تغرق الضحية في النسيان، وهي جريمة ثانية يرتكبها المجتمع إزاء من ضحوا بحياتهم وسعادتهم وراحة أسرهم في سبيل إصلاح الأوضاع السياسية.
صراع مع القضاة والإعلاميين
غير أن مشروع العدالة الانتقالية في تونس لم يستكمل المرحلة الأولى المتمثلة في تشكيل اللجان المكلفة العدالة الانتقالية وإقرار موازنات لها. أما المرحلة الثانية وهي العدالة الجنائية أي ملاحقة الجرائم، فلم تُقطع أية خطوة في إنجازها بسبب بقاء الجهاز القضائي مشلولاً.
وتخوض الحكومة حاليًا صراعاً عنيداً مع سلك القضاة لأنهم رفضوا مشروعاً لإقامة هيئة قضائية عليا تُخضع القضاء لسلطة الحزب الحاكم في شكل غير مباشر، وبالتالي تعاود إنتاج نظام بن علي، الذي كان يرأس بنفسه «المجلس الأعلى للقضاء»، لكن بثوب جديد. ومن أجل التعبير عن ذلك الرفض خاض القضاة في الشهر الماضي إضراباً عاماً هو الأول من نوعه منذ الاستقلال وبلغت نسبة المشاركة فيه مئة في المئة.
أما الركيزة الثانية للعدالة الانتقالية فهي الإعلام، إذ لا مجال للكلام عن مظالم المراحل السابقة وآلامها خارج وسائل الإعلام الكبرى، وهو ما تجلى في تجارب أوروبا الشرقية ويوغسلافيا السابقة وأميركا اللاتينية... إلا أن الجسم الإعلامي يعيش حالاً دائمة من الصراع مع حكومة «الترويكا» بلغ ذروته في الإضراب العام الذي شل القطاع خلال السنة الماضية، وجعل الحكومة تتراجع عن بعض قراراتها، بما فيها تسمية رموز من النظام السابق على رأس مؤسسات صحافية كبيرة. وما زال قطاع الإعلام بلا بوصلة بعدما تكررت الإعلانات الحكومية عن إرجاء تسمية أعضاء الهيئة العليا المستقلة للإعلام الإذاعي والتلفزيوني، التي كان متوقعاً تشكيلها منذ أشهر. وعزا القريبون من رئاسة الجمهورية إرجاء الإعلان عن التشكيلة إلى صعوبة المحاصصة الحزبية بسبب التجاذبات بين أطراف «الترويكا»، على رغم أن القانون يشترط أن يكون أعضاء الهيئة من المهنيين المستقلين.
في ظل تعثر استقلال المؤسسة القضائية وتعطل تحرير الإعلام من التأثيرات الحزبية يبقى ملف العدالة الانتقالية في تونس عالقاً، على رغم الحاجة الطبيعية بعد ثورة قوضت النظام السابق، إلى رد الاعتبار للشعب الذي عاش مرارة الاضطهاد. وكان يمكن النموذج التونسي أن يشكل قدوة لليبيين والمصريين واليمنيين، فلا تبقى المنطقة العربية الوحيدة في العالم التي لم تُبصر هذه النقلة الديموقراطية، التي تشبه طائر السنونو المُُبشر بمجيء الربيع.
* كاتب تونسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.