مع توسع البث الفضائي العربي وانتشاره، شهدت سنوات العقدين الماضيين نوعاً من البرامج «الترفيهية» التي يمكن أن نطلق عليها من دون تجنٍ أنها برامج استثمار مجاني. نعني بالمجانية هنا أنها تقوم على الربح الصافي من دون تكاليف ولو بالحد الأدنى. فمن منا ينسى برامج المسابقات التي تستنزف المشاهدين بالإتصالات من دون أن يكون لها أيُ رابح مهما طال وقت المسابقة؟ ذلك اللون من برامج الفضائيات العربية كان ولا يزال عنواناً للفوضى ولما يمكن لبعض المغامرات المالية أن تفعله في حقل إعلامي نفترض جميعاً أن أحد أهم غاياته هو أن يرتقي بوعي مجتمعاتنا. اليوم تبدو تلك البرامج في حالة انحسار واضحة، أو إذا شئنا الدقة في حالة «انكشاف» إذ لم تعد طبيعتها ومضامينها خافية على أحد. ألا يدعونا هذا الانكشاف للبحث عن برامج مسابقات راقية وحقيقية؟ منطقياً ذلك ما نراه، خصوصاً أن برامج المسابقات تتمتع عادة بإقبال كبير من المشاهدين بسبب احتوائها على عنصر التشويق وما يمثله من قوَة جذب، ولأنها في الوقت ذاته برامج تقوم في جوانب عدة على مخاطبة عقل المشاهد وتحفيز معارفه ومعلوماته الشخصية في هذا الحقل المعرفي أو ذاك. هي برامج تنتمي في التقسيم التلفزيوني للمنوعات، أي أنها تتوافر على مقدار كبير من «توابل» الترفيه وهي ميزة ليست ضارَة بالضرورة أو مرفوضة، وإن كانت تحتاج لقدرات واهتمامات إبداعية مضاعفة كي تستطيع أن تفلت من السقوط في فخ السطحية. بين النجاح والفشل في هذه الحالة خيط رفيع نعتقد بأنه يتأسس على فهم متطور يمكن إبداعه مثلما يمكن أيضا الإستفادة من أجله بما يفعله الآخرون في العالم. نعني هنا الإستفادة وليس بالضرورة نقل برامج بكامل تفاصيلها وإن كنا لسنا ضد هذا النوع بالمطلق. هي معادلة بالغة الرهافة، ولأنها كذلك تفترض بداية أن تقوم برامج المسابقات على جهود الموهوبين والقادرين على تقديم رؤى وحلول، لكنها تحتاج في الأهم إلى الإرتقاء بالنظرة لهذا النوع من البرامج والكفّ عن التعامل معه باعتباره نوعاً سهلاً يستطيع تحقيقه الجميع، إذ لا يمكن الوصول لإنتاج ناجح من دون الإنطلاق بداية من أهميته والحاجة إليه.