طالما نظرنا إلى عرض الأفلام السينمائية في التلفزيون كأحد أهم مزايا الشاشة الصغيرة، خصوصاً في زمن انحسار المشاهدات السينمائية في بيتها الأصلي. عروض التلفزيون في حالة كهذه تبدو تعويضاً جميلا يوفر المتعة والفائدة، بل إنها تمنحنا – بين وقت وآخر – فرصة مشاهدة أفلام سينمائية مهمة لم نتمكن من مشاهدتها في زمن إطلاقها، ناهيك عن حرص قنوات فضائية محدّدة على تقديم عروض انتقائية لبعض أهم وأشهر الأفلام في تاريخ الفن السابع مع ما يعنيه ذلك من متعة مضاعفة. مع ذلك، تبدو كيفية تقديم الأفلام السينمائية عبر التلفزيون محكومة – أحياناً – بسلطة تعسفية تنطلق من فكرة دارجة تقول إن السينما يختارها الناس فيما التلفزيون يفرض نفسه على العائلة. تلك المقولة تترجم نفسها رقابة تعسفية تمارسها القنوات الفضائية على الشريط السينمائي كي يصبح – من وجهة نظر المشرفين فيها – مؤهلا لزيارة العائلة، أي تسمح لنفسها باقتطاع مشاهد وفقرات تسيء إلى العرض وإلى فنيّة الفيلم ومضامينه على حد سواء. ما تحذفه «رقابة الفضائيات» يعيدنا إلى المربع الأول، ويفتح باب الجدل مجدداً حول أسئلة العلاقة بين التلفزيون والناس، والمدى الذي يمكن لهذه العلاقة أن تصله في سعيها لصنع تفاعل حقيقي مع مشاهديها. فالتفاعل لا يتأسس من دون توفير مناخ صحّي لا يسعى للترفيه على حساب الثقافة والجماليات الفنية. فكرة الرّقابة هنا تأتي من خارج سلطة الدولة، فهي رقابة تمارسها قنوات فضائية تتبع للقطاع الخاص، ونفترض أن ذلك يحرّرها من سطوة الرّقابة التقليدية وعسف قوانينها. وتتضاعف خطورة المسألة في مناخ إعلامي فضائي يجنح عموماً نحو الترفيه وتتضاءل معه مساحات الاهتمام بأشكال الثقافة والفنون الجدّية، ما يجعل المشكلة في حاجة إلى وقفات نقديّة ترى وتدقّق وتضع العناوين الملائمة على سطور ما يحدث. ثمة فراغ جمالي، إذا جاز التعبير، وهو فراغ تملأه بالضرورة برامج الطرب الهزيل والمسابقات المفتعلة وبرامج الحوار المعلّبة، وسواها من برامج المتع السهلة والرّخيصة، والتي لا يلتفت إليها أولئك الرقباء الجدد ولا يعيرونها أدنى اهتماماتهم، فيما ينشغلون ويشغلون الدنيا حين يتعلّق الأمر بمشهد سينمائي يرونه خطراً على العائلة العربية وتقاليدها.