من منا يمكنه بسهولة أن ينسى برنامج جورج قرداحي الشهير «من سيربح المليون»، والذي أطلق هذا الإعلامي التلفزيوني الناجح في فضاءاتنا قبل سنوات قليلة؟ الواقع ان رصيد قرداحي الذي حققه من برنامجه «من سيربح المليون» كان من العيار الثقيل، خصوصاً أن حلقاته الكثيرة جمعت بين أناقة وبراعة التقديم واللمسات الإنسانية الجذابة، وبين أسئلة متنوعة باعثة على تحفيز ثقافي يعتني بالمعلومة، ويدفع المشارك والمشاهد معاً الى محاولة استحضارها والاهتمام بها. مع ذلك نتساءل: هل حققت برامج جورج قرداحي التي قدمها بعد ذلك، النجاح الذي كان لمن «سيربح المليون»، أو حتى جزءاً يسيراً منه؟ نقول ذلك بعد أن قطع برنامج قرداحي الجديد «القوة العاشرة» مسافة زمنية وفنية تسمح برؤيته نقدياً، بموضوعية، وبعيداً من حماسة بعض المشاهدين الذين ينجذبون «تلقائياً» الى برامج المسابقات وما تحمله عادة من اثارة وتشويق بات هو المحرّض الأهم والدافع الرئيس لمشاهدة هذا النوع التلفزيوني بصورة شبه دائمة. تقوم فكرة البرنامج الأساسية على أسئلة تقع في حيز نسب العرب الذين يقومون بهذا الفعل أو ذاك، ومحاولة معرفة تقديرات المشاركين لأرقامها «الحقيقية» التي يقول قرداحي انها مستقاة أصلاً من استطلاعات حقيقية للرأي أجريت على عيّنات من المواطنين العرب في أكثر من بلد عربي. وبغض النظر عن موقفنا السلبي أو الإيجابي من تلك الاستطلاعات، إلا أن ما نراه الأهم هنا هو جدارة الموضوعات التي تدور حولها الأسئلة، وتحاول تحرّي نسبها من المشاركين في البرنامج، فمن يتابع البرنامج وأسئلته يلاحظ أنها دائماً من تلك الموضوعات الملتبسة، والتي لا يمكن عاقلاً أن يركن الى الآراء الواردة حولها، حتى وإن أتت حصيلة استطلاعات رأي ما دامت هي في الأساس صلة مباشرة بوعي المشاهدين واهتماماتهم، ولا تقع في دوائر البحث العلمي وما يمكن أن يتضمنه من مقاربات دقيقة تحتمل أن يتسابق على معرفتها والوصول الى أرقامها المشاركون، ناهيك بأن تلك الاستطلاعات غير معروفة عموماً، أي أنها بالنسبة للمشاركين مجرد أرقام غامضة. لا ينقذ البرنامج أن يقدمه تلفزيوني ناجح كجورج قرداحي، كما لا تستطيع فعل ذلك الجوائز المالية المغرية التي يقدمها، خصوصاً أنها جوائز نعرف أن تذهب الى الفائزين وليس الى المشاهدين في بيوتهم، اللهم إلا تلك الجائزة الخاصة التي يكرّسها سؤال خاص للمشاهدين... والمشاهدون ينصب اهتمامهم في حالة كهذه على فقرات البرنامج، وما يمكن أن تتضمنه من تشويق، ومن معلومات يرغبون في الحصول عليها ومعرفتها، وهو ما لا يتوافر في «القوة العاشرة». يحتاج البرنامج في رأينا الى اعادة النظر في أسئلته، وإخراجها من فكرة الاعتماد على النسب المئوية غير المتوافرة، ونحن جميعاً نعرف بالتجربة أن البلدان العربية عموماً لم تدخل عالم الإحصاء كمصدر من مصادر المعرفة والتخطيط في مجالات العمل والانتاج، إلا بصور نادرة وفي مجالات محددة لا تغطي حياة الشعوب العربية في وجوهها المختلفة.