تقع العاصمة القديمة لعُمان، مدينة نزوى على مقربة من الجبل الأخضر، أحد أعلى السلاسل الجبلية في السلطنة، بما يعرفه تاريخه القديم من حروب، والحديث من سياح يتوافدون لرؤية المدينة وجبلها القريب بمدرجاته الخضراء، ودرجة حرارته التي تشكل مع جاره جبل شمس نقطة تحد تصل إلى ما تحت التجمد في فصل الشتاء. وصبيحة كل يوم تعرف نزوى ازدحاماً كثيفاً مع إقبال الباعة والمشترين من مختلف أنحاء السلطنة إلى سوقها الشهيرة بمعمارها الفخم الذي فاز بجائزة تمنحها منظمة المدن العربية قبل سنوات. بعض الباعة يأتون من الجبل الأخضر لعرض منتجاته من جوز ورمان وماء ورد، وعلى رغم الأسعار المرتفعة، إلا أن الفواكه تجد إقبالاً غير عادي، فتصل ثمرة الرمان (كمثال) إلى أكثر من خمسة دولارات للحبة الواحدة، ويكفيه سمعة أنه رمان الجبل. ومع شروق الشمس تبدأ سوق المواشي حركة دؤوبة حيث تباع الأبقار والأغنام عبر مزاد علني يطوف بها الدلال عبر دائرة يصطف على حلقتها المشترون، فيما يمسك السياح الأجانب، بكاميراتهم يوثقون المختلف في بقعة قصية من العالم عنهم، حيث الرجال والنساء بملابسهم التقليدية، إذ إن عمان من الدول القليلة التي يتمسك الرجال فيها بالدشداشة والمصر (غطاء الرأس) أو الكمة (التي تسمى خليجياً الطاقية) وتوضع في شكلها الدائري على الرأس. على مسافة بضع خطوات كانت باحة سوق الحرفيين عامرة بالبشر، خليط من مواطنين وأجانب يتأملون المشغولات الفخارية التي عرضت بأعداد كبيرة خارج المحال الصغيرة، بينما بقي ما خف وزنه وغلا ثمنه داخلها، علقت (الجحال) الأواني الفخارية المخصصة للماء بقصد تبريده على مختلف زوايا المكان، وبقيت التصميمات المطورة على الأرض. هناك الآنية الفخارية التي تسمى «حب» وتخزن فيها المياه بما يشبه دلو الماء، وأخرى أكبر منها، وتسمى «الخرس» وتتعدد استعمالاتها، لحفظ الماء أو التمر، أو طبخ الأكلة العمانية الشهيرة الهريس، حيث يقوم تجارها البسطاء قديماً باستعمالها، كونها حافظة للسخونة أكثر، ويسهل تغطيتها، واحتفاظها أيضاً بدرجة حرارتها. داخل المحال الصغيرة، تتعدد التحف وهي تتشكل من فخار وذهب وفضة وأحجار كريمة، وتتباين أسعارها بتباين الاشتغالات الفنية عليها. لكن أحد المحال بدا كبيراً، ومتميزاً عن جيرانه من الدكاكين بتعدد مداخله، وآلاف القطع الفنية التي احتواها، بينما امتلأ خلال دقائق بالسياح. يتحدث محمد بن إبراهيم الفرقاني عن حكاية المحل الذي يعمل فيه، ويقول إنه كان مقهى شعبياً ضمن تفاصيل السوق القديمة ليكون استراحة للسياح، لكن ابن عمه أحمد الفرقاني اشتراه ليحوله واجهة فنية جميلة تعرض المشغولات الذهبية والفضية وغيرها من أنواع التحف. ويوضح محمد الفرقاني أن الإقبال «طيب» ويجد مشترين من السياح الأجانب والعمانيين على حد سواء، فهو يبيع مئات المشغولات، ومنها الخناجر العمانية على اختلاف أنواعها وأسعارها، التي يتراوح سعرها بين 200 و2000 دولار، وإذا كان مقبض نصل الخنجر مصنوعاً من قرن زرافة أو عاج، فإن السعر يتضاعف أكثر من ذلك. كان أحد السياح الأوروبيين يتأمل بين يديه عقداً فضياً تقليدياً أثار اهتمام زوجته، لكنه يتنقل بين هذه القطعة وتلك، فعلى أرضيات المحل وجدرانه، وصولاً إلى سقفه تتكاثر القطع، تقليدية أو مطورة، قديمة جداً أو جرى تصنيعها حديثاً. خناجر وسيوف وتروس، فيما ضمت سلة أنيقة وكبيرة مشغولات متنوعة قال إن النساء المحليات يأتين لبيع مصاغهن أو استبداله. يقول الفرقاني إن المحل في شكله الجديد مضى عليه حوالى 14 سنة، لكن ابن عمه تاجر أصلاً في هذا المجال منذ 22 عاماً، واستطاع تجميع كل هذه المشغولات التي يصعب تعدادها منذ سنوات طوال، والإقبال عليها يحفزه للبحث عن المزيد منها. منها تحف تعرض في المنازل، ومنها ما يكون هدايا معبرة عن هوية المكان، خاصة البعد التاريخي، فعلى بعد خطوات تقف قلعة مزوى الشهيرة حارسة للمكان، والسوق كأنه امتداد لأحد أسوارها.