قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن بناء اتحاد مغاربي مستقر ومتضامن «يشكل أولوية جيوستراتيجية جوهرية» بالنسبة إلى بلاده. وأعرب في خطاب أمام الرئيس فرانسوا هولاند في مأدبة عشاء ليلة الأربعاء-الخميس بالقصر الملكي في الدارالبيضاء، عن يقينه أن انبثاق نظام مغاربي جديد «سيمكن البلدان المغربية الخمسة، من منطلق حسن النية الخالصة، لإطلاق دينامية التضامن والتكامل والاندماج الذي تزخر به المنطقة». ورأى أن مبادرة 5+5 التي تجمع دول الضفتين الجنوبية والشمالية للبحر المتوسط، سيكون لها مردودية أفضل، في إطار الانسجام الإستراتيجي وأنواع التوافقات. وأعلن عزم بلاده وفرنسا إبرام معاهدة أورو-متوسطية جديدة تساعد في تكريس الوفاق في الديموقراطية والتضامن والازدهار. وجدد التزام بلاده المضي قدماً في إيجاد حل سياسي لنزاع الصحراء، وقال في هذا الصدد: «نحن واعون كل الوعي بأهمية خطة الحكم الذاتي المقترح لجهة الصحراء، باعتباره السبيل الوحيد لحل الخلاف الإقليمي الذي لا يزال -مع الأسف- يرهن المستقبل المغاربي»، مؤكداً في الوقت ذاته خيار إقامة نظام جهوي يمنح المحافظات المغربية كافة وسائل تدبير شؤونها المحلية. وعرض الرئيس الفرنسي هولاند إلى التحديات الإقليمية في منطقة الشمال الأفريقي، فقال إن البحر المتوسط «يوحدنا ولا يفرقنا»، داعياً إلى التعبئة من أجل هذه الفكرة، التي قال إنها «تفترض قيام المغرب العربي نفسه بتحقيق وحدته». وأضاف: «أنا أدرك ما يفرق وعلينا بذل كل الجهود حتى نتمكن عن طريق التفاوض من أجل إيجاد حل لنزاعات طال أمدها». وعلى رغم أنه لم يذكر قضية الصحراء بالاسم، فقد أشار إليها في معرض حديثه عن استيعاب المغرب كل مكونات هويته « سواء كان عربياً-إسلامياً، أو أمازيغياً، أو صحراوياً-حسانياً، أو أيضاً كما يؤكد دستوركم، مكوناً أفريقياً وأندلسياً وعبرياً ومتوسطياً». ولفت الرئيس الفرنسي إلى أن المغرب قام باختيار جريء في إطلاق حركة واسعة من الإصلاحات: «عرفتم كيف تستجيبون لتطلعات شعبكم، الذي يطمح -على غرار شعوب العالم كافة- إلى الحرية والتقدم والديموقراطية، وذلك قبل بداية الربيع العربي». وخلص في هذا النطاق إلى أن المغرب «قرر التغيير في إطار الهدوء والطمأنينة، ووُفِّق في ذلك بالفعل». وشكلت تطورات الأوضاع في منطقة الساحل محور خطابي العاهل المغربي والرئيس الفرنسي، وفيما دعا الملك محمد السادس إلى الحاجة الملحة لإيجاد شروط السلام والأمن والاستقرار في كل البلدان الأفريقية، كون هذه الشروط «ضرورية لتثمين الأسس الضامنة لإرساء الديموقراطية والتقدم والتنمية البشرية»، حرص أيضاً على تجديد دعم بلاده «العمل الذي قامت به فرنسا، بكل حزم وشجاعة، ومكّن دولة مالي من استعادة سيطرتها على أراضيها كافة والحفاظ على توجهاتها الوطنية المشروعة». من جهة أخرى، أوضح هولاند أن باريس «ممتنة للدعم الذي قدمتموه، منذ اليوم الأول، للتدخل الفرنسي في مالي باسم المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب». وأضاف أن فرنسا والمغرب يتقاسمان طموح المساهمة في قيام عالم أكثر عدلاً وأمناً في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وأيضاً في منطقة الساحل والشرق الأوسط». وبخصوص الأزمة السورية، أعلن العاهل المغربي عن أسفه إزاء عجز المجتمع الدولي عن وضع حد نهائي للمأساة الإنسانية التي تضرب السكان المدنيين في سورية، وأرفق ذلك بالحديث عن «عجزه في فائدة تنسيق الخطوات المتخذة على الميدان من طرف المعارضة التي تعرف حالياً مرحلة تشتت». وأوضح أن هذا الوضع «يؤخر انتقالاً سلمياً ولازماً لا محيد عنه في هذا البلد»، فيما وصف الرئيس هولاند الوضع في سورية بأنه مأسوي». وكان العاهل المغربي والرئيس الفرنسي أجريا جولة محادثات مساء الأربعاء، بعد الاستقبال الحافل الذي خصص للضيف الفرنسي. وأفادت مصادر رسمية أن المحادثات عرضت إلى تطورات الأوضاع الإقليمية والعربية والدولية وملفات التعاون المشترك. واتفقت الرباط وباريس بهذا الصدد على ضرورة تأمين مناطق شمال مالي ونشر الاستقرار و «تشجيع حوار صريح ومفتوح بين كل مكونات المجتمع المالي، وتنظيم انتخابات في أقرب الآجال». كما جدد البلدان تمسكهما ببلورة «رد شامل» من طرف المجموعة الدولية على التهديد الذي يحدق بمنطقة الساحل. كما أعربا عن انشغالهما بتفاقم الوضع الإنساني في سورية، وحضا على تسريع الطابع الاستعجالي «لانتقال سياسي سريع» وتوحيد مواقف المعارضة. وأكد الرئيس هولاند تمسك بلاده بموقفها الثابت في قضية الصحراء، وحرص أمام البرلمان المغربي أمس على الدعوة إلى اعتبار خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب أرضية مفاوضات، كما تمنى على الشركاء المغاربيين توحيد جهودهم في تحقيق الوحدة، ودعم الحوار الأورو-متوسطي. وأبرم البلدان المزيد من اتفاقات التعاون التي يعولان عليها للانتقال بالشراكة القائمة إلى مستويات أكثر تطوراً.