تعيش الساحة الإعلامية المصرية أوقاتاً عصيبة هذه الأيام، ويرى كثيرون أن مرحلة قمع النظام الحاكم للإعلام بدأت، بخاصة بعدما أرسلت «الهيئة العامة للإستثمار والمناطق الحرة» إنذاراً إلى شركة «المستقبل» للقنوات الفضائية والإذاعية التي تبث قنوات «سي بي سي» بوقف برنامج «البرنامج» الذي يقدمه الإعلامي باسم يوسف، وحذرتها من سحب ترخيصها وإغلاقها في حال استمرار عرض البرنامج بسياسته ذاتها. وأفادت الهيئة بأن «مقدم البرنامج وردت ضده شكاوى ودعاوى قضائية لتعرضه لبعض رموز الدولة وشخصيات عامة وبارزة من خلال الإهانة والتهكم والاستهزاء والتشهير، علاوة على عبارات الإسفاف والتطاول والتلميحات الجنسية والألفاظ النابية الجارحة التي تجاوزت حقوق النقد المباح والموضوعية الهادفة، بما يُعتبر خروجاً عن التقاليد والمبادئ العامة». وأضافت الهيئة أن ذلك يعدّ مخالفة لترخيص القناة، وما يوجبه ميثاق العمل الإعلامي العربي، وطالبت بإزالة أسباب المخالفات، وإلا يعتبر الترخيص ملغياً، طبقاً للمادة 88 من اللائحة التنفيذية من قانون ضمانات وحوافز الاستثمار. محمد هاني مدير مجموعة قنوات ال «سي بي سي» أكد ل «الحياة» التزام المجموعة القانون ومواثيق الشرف الإعلامي وشروط التراخيص في كل ما تبثه وقال أن الإتهامات الموجهة ضد برنامج «البرنامج» هي أمام القضاء الآن ولم يتم البت فيها، مشيراً الى أن تقدم أشخاص ببلاغات ضد «البرنامج» لا يعني أنها حقائق، بل هي مجرد اتهامات لم يبت القضاء في ثبوتها. وقال مستشار وزير الاستثمار طارق محمد أن الإنذار الذي وجهته «الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة» الى شركة «المستقبل» للقنوات الفضائية، لا يعني ان هناك نية لإغلاق قناة «سي بي سي»، لكنه يستهدف منع التجاوزات التي يمارسها الإعلامي باسم يوسف في برنامج «البرنامج» الذي تبثه القناة، وهو ما يتعارض مع الضوابط المتفق عليها في الترخيص الممنوح للقناة. وأكد طارق محمد أن هناك شكاوى وردت للهيئة حول عدد من الحلقات التي يقدمها باسم يوسف تتضمن مخالفات وإيحاءات جنسية، وهو ما جعل الهيئة تنذر إدارة القناة وفقاً للقوانين المتبعة. سخرية وفي متابعة برنامج «هنا العاصمة» الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي على فضائية «سي بي سي» لإنذار «الهيئة العامة للاستثمار» بسحب تراخيص القناة بسبب ما وصفته بأنه مخالفة واضحة للقانون والعقود قالت الحديدي إن الهيئة في بيانها ذكرت في معرض حديثها عن المعطيات أنه استجابة للشكاوى والدعاوى القضائية المنظورة بسبب برنامج «البرنامج» الذي يقدمه الإعلامي الساخر باسم يوسف مستندة الى تلك الحلقات التي سيقت عبر البلاغات المقدمة للنائب العام، ما جعل الهيئة، وفق الحديدي، تلعب دور المبلغ وتتعامل مع البلاغات على أنها معلومات وأمر واقع متجاوزة التحقيقات التي تجرى الآن. وتابعت الحديدي ان «سي بي سي» ملتزمة بالقانون وتنفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً. وأوضحت: «برنامج باسم يوسف برنامج ساخر شأنه شأنه الكاريكاتور الساخر أما القناة فتنتظر مسار التحقيق العادي بكل مراحلة حتى لو وصل إلى القضاء وتتخذ كل المسارات القانونية». وأعلنت الحديدي أن الدولة قررت استخدام كل الطرق والوسائل لمحاربة الإعلام، مشيرة إلى أن القضية بدأت مع قناة «دريم» التي استعمل معها نظام الحكم السياسة ذاتها بدعوى عدم جواز البث من خارج مدينة الانتاج الإعلامي. وقالت: «لم تكن للأمر علاقة بالضرائب أو الإيجار أو المسائل المادية لكنه ذريعة استخدمتها الحكومة ونظام الحكم حتى تكون كل المحافل الإعلامية في بوتقة واحدة حتى إذا ما تعرضت للحصار فإن ذلك يتم في شكل موحد». وأضافت: «استخدموا معنا السب والقذف ثم الضرائب، وفوجئوا بأننا في طليعة دافعي الضرائب بشهادة المصلحة العامة للضرائب، من هنا لجأوا إلى لي الذراع». واعتبرت الحديدي ان سياسة النظام شأنها شأن ما تمّ في السابق إبان عصر حسني مبارك مع قناة «أوربت»، وتحدثت عن ميثاق الإعلام الذي وضعه بالأمس القريب وزير الإعلام السابق أنس الفقي، متسائلة: «هل المواثيق تخرج من الدرج في توقيت استخدامها؟ وما نهاية هذا الصراع؟». بلبلة وأحدث الإنذار الموجه إلى «سي بي سي» بلبلة في الأوساط المصرية، إذ اعتبر الناشط الحقوقي نجاد البرعي أنه سيرتب آثاراً قانونية، وقال: «لا بد من الطعن به حتى لا تفاجأ القناة بقرار وقف بثها»، مشيراً إلى أن هذا الإنذار، يعدّ مرحلة لبدء تأسيس ديكتاتورية حقيقية، ففي النهاية يريدون غلق برنامج كوميدي يخشى النظام منه، لكنّ المشكلة تكمن في النظام وليس في البرنامج، لأن النظام بما لديه من آلة إعلامية جبارة تحت سيطرته، يؤكد أنه بلغ منتهى الضعف ويخاف من برنامج ساخر، ولكن عليه أن يتذكر أن هذا الإجراء أطاح نظاماً سبقه وأطاح القيمة الكبرى لثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير)». وقال عميد كلية الإعلام في جامعة القاهرة حسن عماد إن التهديد الذي تلقته قناة «سي بي سي» ليس من سلطة الهيئة، فهي لا تتعامل مع أي وسيلة إعلامية سواء مسموعة أم مقروءة أم مرئية. وأكد أن القناة لا تغلق سوى بحكم قضائي، لذا فإن هذا التهديد منعدم لأنه لم يصدر من جهة قانونية. وأكد أستاذ القانون الدستوري جابر نصار لا قانونية تهديد الهيئة للقناة كونها لا تملك حق التدخل في المحتوى الذي تعرضه القنوات، معتبراً الإنذار بمثابة قمع لحرية الإعلام. وأضاف أنه ليس من اختصاص الهيئة الحكم على المحتوى الذي تبثه القنوات الفضائية، وقال ان من يتضرر من المحتوى عليه اللجوء للقضاء الذي يفصل في الأمر ويقرر وقف البث من عدمه. وأوضح نصار أن القانون المصري لا يحوي بنوداً رقابية على المحتوى الذي تبثه القنوات الفضائية، لذلك يلجأ المتضرر للقضاء ليفصل في الأمر وطالب «سي بي سي» بالتعامل مع الخطاب كأنه لم يكن، معتبراً أن بإمكانها اللجوء للقضاء ضد هيئة الاستثمار. وقال رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حافظ أبو سعدة أن الهيئة غير معنية بمضمون القناة، وأضاف: «إنه تجاوز من وزارة الاستثمار وانقضاض على حرية الإعلام كما أن القضاء وحده، هو من يبت في غلق القناة، وما يحدث تعدٍ على سيادة القانون». يذكر أن الإعلامي الأميركي جون ستيوارت أبدى أسفه لما آلت إليه الأوضاع في مصر، خصوصا بعد استدعاء باسم يوسف للمثول أمام النائب العام. ألبير شفيق: حكم «الإخوان» على خطى مبارك قال رئيس مجلس إدارة قناة «أون تي في» ألبير شفيق ل «الحياة»، إن «النظام الحالي يتبع سياسة نظيره السابق في ملاحقة الإعلاميين عبر القضاء، وإلقاء تهم الزور عليهم»، مشيراً إلى أن تلك البلاغات غالباً ما تنتهي ببراءة الإعلامي وإخلاء سبيله. ورأى أن «الإعلام لن يموت، وسيقف ضد النظام الذي يطارد الإعلاميين ليشغل الإعلام والرأي العام عن القضايا الرئيسة». ويأتي كلام شفيق بعدما أمر النائب العام المستشار طلعت عبدالله نيابة أمن الدولة العليا بالتحقيق في البلاغ الذي تقدم به عدد من المحامين والأعضاء في الهيئة العليا لاتحاد محامي مصر، ضد رئيس مجلس إدارة قناة «أون تي في» ألبرت شفيق بصفته المسؤول عما يعرض في القناة من برامج. كما اختصموا في بلاغهم، الإعلامي جابر القرموطي، مقدم برنامج «مانشيت» ومستشارة اللجنة الدولية لحماية حقوق الصحافيين شيماء أبو الخير، وطالبوا بالتحقيق معهما لاتهامهما ب «تكدير السلم العام ونشر أخبار كاذبة والتعرض لرجال القانون بسوء»، بعد تناول البرنامج الأزمة مع باسم يوسف.