انحسرت الاحتجاجات العنيفة التي هزت الأردن خلال الأشهر الماضية بصورة كبيرة، لكن مجموعات صغيرة محسوبة على جماعة «الإخوان المسلمين» والقبائل المعروفة بتأييدها النظام حافظت على حراكها، ورفعت هتافات صاخبة ولدت من رحم «الربيع العربي»، مطالبة بإسقاط مؤسسات سيادية في البلاد، التي لم تشهد حتى الآن انتفاضات دول مجاورة. ويبدو أن خفض الدعم الحكومي للوقود والسلع الضرورية، كان المحرك الرئيسي وراء تفجر الاحتجاجات، فيما يتوقع أن يؤجج توجه الحكومة الوشيك إلى رفع أسعار الكهرباء الغضب الشعبي من جديد. وقد يلمس المراقب للمشهد الأردني حجم الإحباط والخوف الذي يحاصر الشارع على نحو غير مسبوق. فحمام الدم المتواصل في الجارة الشمالية (سورية) ألقى بظلاله الثقيلة على المواطنين بكافة تلاوينهم، ودفع كثيرين إلى إعادة حساباتهم، وهو كما يبدو تسبب بانخفاض جاذبية «الربيع العربي»، وربما كان لهذا الانخفاض ارتداد أكبر على ساحات التظاهر، التي باتت بالكاد تجمع عشرات ومئات وبضعة آلاف في أحسن الأحوال. لكن ثمة من يرى أن النظام غير مهدد حتى الآن بما قدم من إصلاحات تتسم بالحذر، وهي إصلاحات بدا أنها تستند غالباً إلى «نظام القطعة»، ربما بهدف شراء الوقت كما يرى معلقون سياسيون، إذ لم تشهد الفترة الماضية سوى تعديلات بسيطة على الدستور وقانون الانتخاب. لكن السلطات شددت على ضرورة التدرج نحو تطبيق منظومة إصلاحية شاملة. ويخشى الأردن أن يؤدي صعود «الإخوان المسلمين» للحكم في سورية، عند سقوط الرئيس بشار الأسد، إلى تشجيع الإخوان الأردنيين -وهم تيار المعارضة الأبرز في البلاد- ورفع سقف توقعاتهم، كما يخشى منحهم دفعة معنوية قد تعيد إلى الشارع زخمهم المعهود، الذي يقدر بعشرات الآلاف. وعلى رغم أن زعماء المعارضة الإسلامية يؤكدون أن تغيبهم عن الشارع مرتبط بإجراء «تكتيكي» له ما بعده، إلا أن قيادات فاعلة داخل جماعة «الإخوان» باتت مقتنعة بأن الأردن لن يقدم أي تنازلات جذرية على خريطة الإصلاح، ما لم تحدث تطورات إقليمية دراماتيكية تفضي إلى سقوط الأسد. وقال مراد العضايلة أحد قادة الجماعة «لا شك أن مآلات الوضع السوري سيكون لها أثر كبير على النظام ومقارباته السياسية. فطيلة الفترة الماضية كانت السلطة تخوف المواطنين من المطالبة بحقوقهم وتقول لهم: انظروا لما يجري في سورية، إنكم تعيشون في واحة آمنة. لكن هذا التخويف لن يستمر طويلاً، فسقوط النظام المجاور سيعيد الثقة بإمكان تحقيق الإصلاح، وستكون هناك مراجعات جديدة». لكن سميح المعايطة الوزير والناطق السابق باسم الحكومة الأردنية يرى عكس ذلك. يقول إن «ثمة معطيات جديدة أدت إلى تراجع الحراك. فالتوجه لإصلاحات واسعة وإجراء انتخابات برلمانية نزيهة غيّرا في قناعات الناس. إضافة إلى أن تجارب من حولنا كانت لها دلالات كبيرة: فتعثر التجربة الانتقالية في مصر وأداء الإخوان المرتبك هناك، إلى جانب استمرار القتل في سورية شكلت قناعات شعبية جديدة، كما أن إيجابية الملك ورفضه التعامل الأمني جعلت الأمور أكثر سهولة». وتابع: «مخطئ من يعتقد أن مآلات الوضع السوري ستصب في مصلحة الإخوان الأردنيين. كان يتوجب الرهان على نجاح تجربتهم المصرية». وفي محافظة عجلون، وهي تجمع قرى وبلدات قبلية انضمت للاحتجاجات الأخيرة، يتملك الوجوم وجوه المواطنين الفقراء في شوارع ضيقة مليئة بالحفر والمطبات الإسمنتية، إلا أن الأمل ما زال يحدوهم بمستقبل أفضل. وقال أحد أبناء المحافظة فيصل القضاة: «تظاهرنا كثيراً، لكن من دون جدوى». وداخل فرن صغير يبيع خبز الطابون بأسعار زهيدة، قال محمد بني هاني: «لم أشارك في أي تظاهرة أو احتجاج. الأوضاع الاقتصادية صعبة، لكن يكفينا نعمة الأمن التي يفتقدها آخرون». وقال آخر كان يسير داخل زقاق ضيق، وهو يشعل سيجارته: «لا نريد أن نكون سورية ثانية»، مضيفاً: «بدي أشتغل وأعيش، ما بدي أكثر من هيك». وقال محمد الزغول، وهو من نشطاء الحراك في عجلون: «الناس قلقة من مشاهد القتل والدمار في الجارة الشمالية. يخشون أن تؤدي الاحتجاجات إلى مشاهد مماثلة». وتابع: «قد يمثل هذا القلق طوق نجاة للسلطة، لكنه موقت. عليها أن لا تنتظر التغيير في سورية، فعندها قد يكون الثمن أكبر». وكان الملك عبدالله كلف الحكومة التي أدت اليمين القانونية قبل أيام، المضي قدماً نحو تطبيق إصلاحات جذرية وإجراءات تقشفية. كما صادق على تشكيلة الحكومة بعد مشاورات أجراها رئيس الوزراء عبد الله النسور مع أعضاء البرلمان.