استمرت الاحتجاجات ضد رفع الأسعار في الأردن لليوم الخامس على التوالي، وسط اعتقالات تعرض لها متظاهرون وأطلاق أعيرة نارية بين قوات الشرطة ومحتجين، ودعوات متنامية أطلقتها حركات شعبية لإضراب مفتوح عن العمل في مختلف مناطق المملكة اليوم. وامتدت التظاهرات الى مناطق عدة من عمان والزرقاء ومختلف المحافظات تميّز أكثرها بهتافات طاولت القصر الملكي. وبعد أيام على الاحتجاجات وأحداث العنف، حذر رئيس الوزراء عبدالله النسور الأردنيين أمس «من الذهاب ببلادهم الى المجهول». وأضاف، خلال لقاء جمعه مع عدد من مراسلي المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية في مقر الرئاسة: «خالفت رأي الاستخبارات العامة (المؤسسة الأمنية ذات النفوذ الواسع في البلاد) بتحرير أسعار المشتقات النفطية... فأنا أقوى من الاستخبارات لأنني المسؤول عن التعامل مع تقاريرها وتوصياتها». واعتبر أن قرار تحرير الأسعار لا يتحمله العاهل الأردني ولا الاستخبارات، وقال: «أنا المسؤول عن هذا القرار لأن البديل هو الأسوأ». وجاءت تصريحات النسور حول جهاز الاستخبارات العامة لتؤكد ما نشرته «الحياة» سابقاً عن توصيات قدمتها المؤسسة الأمنية تدعو للتراجع عن قرار رفع الأسعار، محذرة من وقوع احتجاجات وصدامات عنيفة في مناطق المملكة المختلفة. وقال ل»الحياة» في شأن طريقة التعامل الرسمية مع المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام، أن «رأس الدولة (الملك عبدالله) يترفع عن الرد على أي شتائم تنال منه». وتابع: «الشعب الأردني يؤمن بكيانه ونظامه وعلينا أن نصبر على من يطلق مثل هذه الهتافات». وقال إن «الأردنيين يخشون أن تتفاقم الأمور في المملكة، لأنهم شاهدوا تجارب من حولهم» في إشارة بدت واضحة إلى أحداث الجارة سورية. وعن إمكان التراجع عن قرار رفع الأسعار، لم يقدم النسور إجابة صريحة وواضحة، لكنه اعتبر أن التراجع عن القرار «سيؤدي إلى نتائج أسوأ من التظاهر والاحتجاج في الشارع»، مؤكداً أن الوضع الاقتصادي «صعب للغاية والتراجع سيؤدي إلى كارثة». وحول إمكان تأجيل الانتخابات النيابية المقررة مطلع السنة في ظل ما تشهده البلاد من احتجاجات، رد النسور «الانتخابات ستجري في موعدها إن شاء الله». من جهة ثانية، اعتبر رئيس الحكومة أن المساعدات الدولية والخليجية التي وعدت بها المملكة في وقت سابق «قد لا تصل». مشيراً إلى أنه «لا يريد البحث في الأسباب وراء تأخر هذه المساعدات». وقال للصحافيين: «عليكم أن تقدروا جيداً ما هو السبب وراء تأخرها». لكنه نفى في الوقت نفسه أن «يكون بعض الدول رهن تقديم المساعدات بموافقة الأردن على التدخل عسكرياً في سورية». ميدانياً أعلنت نقابة المعلمين الأردنيين (تسيطر عليها جماعة «الإخوان المسلمين») الإضراب العام في جميع المدارس الحكومية اليوم احتجاجاً على قرارات رفع الدعم. وأعلنت الاتحادات الطلابية في مختلف الجامعات الحكومية الإضراب العام عن الدراسة اليوم. وأطلقت قوات الدرك الغاز المسيّل للدموع على مئات المحتجين الذين حاولوا الوصول إلى قلب دوار الداخلية وسط عمان لبدء اعتصام مفتوح ليل الجمعة - السبت. واستمرت محاولات الكر والفر بين الطرفين حتى صباح أمس، قبل أن يعتقل الأمن عدداً من المتظاهرين. وأصيب أحد المحتجين في منطقة «أم القطين» المحاذية للبحر الميت، بعد موجة من الاحتجاجات في تلك المنطقة. لكن مديرية الأمن العام الأردنية قالت في بيان إن «أحد المشبوهين وبرفقته مجموعة من الأشخاص كانوا يحاولون قطع الطريق بواسطة الإطارات المشتعلة والتعدي على المركبات المارة، قبل أن يوجهوا الأعيرة النارية الى عناصر الشرطة». وتواصلت الاحتجاجات في مدن الجنوب الأردني، ففي مدينة الكرك تظاهر مواطنون أمس وحدثت اشتباكات محدودة بينهم وبين قوات الأمن. فيما أقدم مجهولون على حرق مبنى بلدية «عبدالله بن رواحة» في لواء فقوع التابع لذات المدينة. وفي معان رفعت شعارات قارنت بين وضع الأردن والدول التي شهدت ثورات عربية، ووجّه المتظاهرون رسائل قاسية الى مطبخ القرار في خطابات ألقيت نهاية التظاهرات. وشهدت معان تواجداً لافتا للقوات الخاصة التابعة لحرس البادية بعدما عجزت قوات الدرك والأمن عن ضبط الأمور في المدينة التي تعرف بأنها إحدى أكثر المدن احتجاجاً على السياسات الرسمية منذ «هبة نيسان» عام 1989، التي بدأت من المدينة وامتدت إلى مدن الجنوب، وانتهت بإسقاط حكومة زيد الرفاعي ونهاية الأحكام العرفية وعودة الأردن إلى المسار الديموقراطي. وأضرم محتجون النار في ديوان وزير الزراعة أحمد آل خطاب ومنزله في المدينة. وقال شهود عيان إن «أحدا لم يكن داخل المنزل المكون من طابقين لحظة اشتعال النار فيه». وفي الكرك خرجت مسيرات حاشدة بعد أيام من المواجهات بين الأمن ومحتجين، حيث احتج المتظاهرون على دهس إحدى السيارات المصفحة التابعة لقوات الدرك أحد النشطاء بحسب قولهم، وهو يرقد حالياً في المستشفى. كما خرجت تظاهرة حاشدة من مسجد الطفيلة الكبير في المدينة الأردنية التي تشهد حراكاً لم يتوقف منذ ايار (مايو)2011. وخرجت تظاهرات حاشدة في مناطق مختلفة من محافظة إربد ومدن جرش وعجلون وعدد من قرى الشمال الأردني، وسط إغلاق لبعض الطرق من المحتجين. وكان لافتاً دخول مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على خط الاحتجاجات، اذ شهدت مخيمات البقعة شمال عمان وعزمي المفتي في إربد والحسين وسط العاصمة تظاهرات غاضبة منذ يومين، تخللتها أعمال شغب وقطع لطرق رئيسة في حين اقتحمت قوات الدرك هذه المخيمات ونفذت حملات اعتقال.