لم يتوقع الإخوان المسلمون الأردنيون يوماً أن تتقدم جماعتهم الأم للجلوس على كرسي الرئاسة المصرية. لعبة الحظ التي أتيحت للرئيس الإخواني الجديد محمد مرسي، حولت مقر الجماعة الأردنية بين ليلة وضحاها إلى محج تقصده مئات الشخصيات العامة، مباركة فوز التنظيم الدولي بحكم مصر! ولم تتمكن الجماعة من مداراة نشوتها العارمة بفوز «مرجعيتها الروحية»، لا بل إن تلك الفرحة دفعت همام سعيد المراقب العام للإخوان الأردنيين إلى القول أمام المهنئين: «إن سعادتنا بفوز مرسي تؤكد اشتياق الأمة لحاكم يشبه بأفعاله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز!». ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد شكلت الجماعة على عجل وفداً إخوانياً يضم حوالى 100 شخص للسفر إلى القاهرة وتقديم التهنئة لتنظيمهم بفوز على ما يبدو لم يكن ضمن دائرة التوقعات. ووسط حالة من الفرح «الهستيرية» داخل صفوف الإخوان، يبدو المشهد الرسمي أكثر حذراً وتأملاً حيال التغيرات «الجذرية» التي تشهدها مصر. وبحسب مصادر رسمية، فإن مراكز القرار الأردنية تسير في اتجاه قراءة معمقة حول كيفية التعاطي مع حقيقة قدوم رئيس مصري من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي يقود فرعها الأردني احتجاجات في البلاد منذ عام ونيف. وتؤكد المعلومات المسربة من داخل الدوائر الرسمية أن علاقة الطرفين ستعتمد إلى حد كبير على المصالح المشتركة، بخاصة أن الأردن يعتمد في شكل أساسي على إمدادات الغاز المصري، وبأسعار تفضيلية. ويبدو أن الصدى المحلي لفوز مرسي جاء مصحوباً لدى غالبية المراقبين بالتساؤل حول ما إذا كان سيؤدي ذلك إلى إعادة خلط الأوراق في المعادلة الداخلية، بعد تفكك فرضية انتهاء الربيع العربي، وتفكك فرضية بقاء النظام السوري أيضاً، وهشاشة فرضية تراجع الحراك؛ وهو ما يؤكده الباحث والمحلل السياسي محمد أبو رمان. وبرأي سياسي بارز، فإن فوز مرسي ربما يساهم في إقدام الدولة على مراجعة مواقفها الأخيرة من الإسلاميين، والتعامل معهم في العملية الانتخابية المقبلة، بعد أن لوحت الجماعة بمقاطعتها على خلفية إقرار البرلمان قانون انتخاب، أقرب ما يكون في صيغته إلى قانون الصوت الواحد. لكن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بادر أمس إلى رد القانون، مطالبا الحكومة ومجلس النواب بإعادة درسه. وتقول مصادر رسمية إن آراء داخل مؤسسة القرار طالبت الملك برد القانون، وإبقاء الباب مواربا أمام إنهاء الأزمة السياسية وعدم العودة لمربع مقاطعة الانتخابات، الذي من شأنه أن يعيد إنتاج الأزمة السياسية من جديد. في حين أن هناك قوى فاعلة داخل السلطة كانت تدعو إلى المصادقة الفورية على القانون، وعدم الخضوع لما تراه هذه القوى «ابتزازا من الإسلاميين». ويقول أبو رمان: «فوز مرسي وانعكاساته على خيارات الحركة الإسلامية الأردنية إضافة إلى الصوت المعارض لقانون الانتخاب الذي ارتفع خلال الأيام القليلة الماضية، قد يعني شيئاً لدى الدوائر العليا من القرار إذا ما قرأت ذلك بتمعّن». ويجزم الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان، أن علاقة الأردن بحكام مصر الجدد لن تكون على ما كانت عليه سابقاً. وبرأيه فإن قوى تنظر إلى المرحلة الراهنة في مصر بوصفها انتقالية، على اعتبار أن هناك مجلساً عسكرياً ينازع الرئيس الجديد على صلاحياته وسلطاته. وفي ما يخص الشأن الأردني الداخلي، يقول الخيطان: «إن فوز مرسي منح الإسلاميين الأردنيين زخماً إضافياً، وتدرك الدولة ذلك جيداً». ويؤكد الخيطان أن التطورات المصرية «قد تخلط الأوراق الداخلية من جديد، وتدفع مراكز القرار إلى رد قانون الانتخاب للبرلمان، لإعادة النظر فيه وصولاً إلى حالة من التوافق الرسمي والشعبي». ويشرح: «أن إخوان الأردن ألمحوا إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة بناء على القانون الذي أقره البرلمان، لكن هذا التلميح لن يكون قراراً نهائياً إذا ما أقدمت الدولة على إنجاز قانون يعبر عن مطالب المحتجين». ويرى الباحث محمد المصري أن المشهد المصري الحالي «تسبب بحالة من الإرباك للأردن ودول أخرى مجاورة، فالدولة العربية الأساسية والكبرى جاءت برئيس منتخب وبانتخابات تعددية، وبات الذين كانوا في السجن بالأمس حكاماً فيها». ويرى المصري أن مشكلة الأردن في هذه المرحلة مع الإخوان، الذين يمثلون معارضة صلبة، وهم اليوم في حالة شد وجذب مع النظام، ولا يعرف إن كانت انتخابات مصر ستغير قواعد اللعبة بين الطرفين. كما يرى أن الأردن سيكون لديه الفرصة للعب أدوار إضافية، كونه يستند لعلاقات مميزة مع الغرب، مما سينقل بعضاً من الثقل السياسي نحو لعب أدوار في المنطقة. وعلى صعيد العلاقات مع إسرائيل يذهب المصري إلى أن الأردن سيجد متنفساً من خلال التذرع بمصر لعدم تعيين سفير في إسرائيل أو الاندفاع بأي علاقات نحوها. وكان البرلمان الأردني أقر الثلثاء الماضي قانوناً للانتخابات البرلمانية أثار جدلاً بين قوى موالية للنظام أبدت رضاها عنه، ومعارضين اعتبروه انقلاباً داخل الدولة على الإصلاح السياسي. ورفض النواب - قبيل انتهاء مناقشات القانون المكون من 72 مادة- إعادة مناقشة المادة الثامنة التي تقر العودة إلى صيغة الصوت الواحد للناخب الواحد في دوائر متعددة الممثلين، على رغم إقرارهم صوتاً ثانياً للناخب لمصلحة قائمة وطنية مكونة من 17 نائباً، من إجمالي عدد نواب المجلس الذي رفعه القانون من 120 إلى 140. وتطالب المعارضة خصوصاً الحركة الإسلامية بقانون انتخاب يفضي إلى حكومات برلمانية منتخبة، ويلغي نظام الصوت الواحد المثير للجدل والمعمول به منذ تسعينات القرن الماضي. وقاطع إخوان الأردن انتخابات عام 2010 معتبرين أن الحكومة «لم تقدم ضمانات لنزاهتها» بعد أن اتهموها ب «تزوير» انتخابات 2007، إلى جانب اعتراضهم على نظام «الصوت الواحد». ويشهد الأردن تظاهرات منذ كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، تدعو إلى إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة ومحاربة جدية للفساد.