الأحد 24/3/2013: ربيع بيروتي يقظة الصباح بعد أرق الليل في ربيع بيروت الرمادي، والصباح كسل أمام أخبار التلفزيون المستعادة، تسمعها لتطمئن إلى طريقك. وحركة اليوم مثلما كانت بالأمس، ولكن تنزاح الأشياء قليلاً بفعل الزمن وحتمية التغيير، لا بإرادتك أو إرادة غيرك. تجيب، رداً على سؤال، أنك تعيش يوماً فيوماً، ويقتصر برنامجك على 24 ساعة. تقول ذلك ولا تفعله، لأنك تجتاز في ليلك الطويل أزمنة مديدة، من فتح العرب المسلمين بلاد الشام وقد قبلناهم وقبلونا، إلى محاولة المسلمين البشتون فتح بلاد الشام، لا يقبلوننا ونخشى منهم على ديننا الاسلامي السمح ودنيانا، وعلى أديان مواطنينا الآخرين. ربيع بيروت الرمادي يحيل الرؤية ضبابية: يوم هادئ كأنما يسبق العاصفة، فلا بشر على الطريق ولا سيارات، يليه يوم صاخب بزحمة بشر وسيارات. لا تدرك للمفاجآت سبباً إلا رمادية ربيع بيروت. هذه المدينة منذ أربعين عاماً تشهد اجتياحات أيديولوجية وعسكرية وبشرية، وكل اجتياح يطرد سابقه، ومعه لبنانيون متواطئون. ولا يكتمل الطرد أبداً، لأن الغزاة يتركون علاماتهم بشراً وطرائق عيش. هذه المدينة الجاذبة الطاردة، تعيش في ربيعها الرمادي وتتفقد جيرانك القلة الذين رفضوا الرحيل أو تعذَّرَ عليهم، وتشعر بأنك قديم عندما تعجز عن توليد لغة تواصل مع الوافدين الجدد. لن تكون عنصرياً لأنك لن تفقد نفسك، ولكن يداخلك الضجر، بل العجز عن التواصل، كأنك موظف استعلامات في «الفندق الكبير» لجزيرة سياحية تستقبل سفناً وتودعها. موظف استعلامات رغماً عنه في مدينة رمادية اسمها بيروت. بعد أرق الليل يقظة الصباح. ولست وحدك ايها القديم المليء بالضجر. في ربيع بيروت رسامون بمعارضهم المشتعلة إبداعاً وتجدداً، ومثلهم أهل مسرح وصنّاع سينما، ومع هؤلاء فنانو عروض غنائية يوزعون الفرح على مدن المنطقة الكئيبة. مدينة رمادية، لكنها ترسل الحيوية الى الجوار وتوقظه. مدينة مسؤولة عن منطقة، وتخفي آلامها برماد الربيع. الإثنين 25/3/2013: جدار... جدران اتصل بها للمرة الأولى، وتطلب الأمر تهيئة لجسده كي يتحمل نهضة جديدة للروح. صوتها رفعه من وهدة اليأس، وها هو على الأرض السواء مثل البشر جميعاً، يرى الشارع والحديقة والبحر البعيد، ويستطيع أن يحلم بالسفر ليلتقيا، مثلما التقيا سابقاً، في مدن الآخرين. تلقت اتصاله وهي أمام شاشة الكومبيوتر، تكتب خبراً عن جدار برلين، عما تبقى من جدار كان هدْمُه علامةَ أوروبا الجديدة ونهاية ثنائية العالم. أحست بعلاقة ما بين اتصاله وقضية الجدار. إنهما، ربما، يهدمان معاً جدار الزمن. ولكن، هل يستطيعان بعد سنوات الفراق؟ وما علاقة اتصاله بالجدار؟ ثمة جدران تبنى في وطنها ووطنه، بين الجماعات، بل بين الأفراد في الأسرة الواحدة، بل ايضاً بين حبيبين، أي حبيبين. تكتب عن هدم جدار، وتتخيل جدراناً تبنى، وتمنع نفسها من توقع ما يلي اتصاله، هل يهدم الجدار أم يبقيه، ويكتفي، يكتفيان، بالذكرى. الثلثاء 26/3/2013: موزاييك سورية حروب في سورية لا حرب واحدة بين نظام ومعارضة. حروب تؤكد وجود معارضات متنوعة وتمظهرات متعددة لقوى النظام، فلا جبهة واحدة إنما جبهات متحركة يعجز المراقبون، حتى الميدانيون، عن تحديدها لأكثر من 24 ساعة. إنه موزاييك سورية، لا حربها الواحدة. الموزاييك هذا قدمه وضاح شرارة في أحدث كتاباته عن الوضع السوري، ومنه نقتطف: «يخوض الأسد الثاني ورهطه الأقربون حرب دولة نظامية ورعاعية طويلة الأمد على السوريين وجماعاتهم وأريافهم ومدنهم ومواصلاتهم ومرافقهم ومواردهم. وعلى المثال المعكوس نفسه، تتوالى الحملات وفصولها على مناطق وبلاد يثور فيها أهاليها وينضمون الى «الثورة» ويوالونها، ويحاولون إدارتها قبل أن يضطرهم القصف الميداني والجوي الى إخلائها والجلاء عنها، أو تدخلها جماعات مسلحة وتستولي عليها وتقتسمها، قبل أن تكرر حرب الدولة النظامية سيرتها فيها، فيخليها أهلها ويهجرونها الى «لجا» (على ما يسمى المعزل الدرزي الحوراني في الجنوب السوري)، هو من مخلفات أراضي الإقليم الوطني السابق. ويؤدي هذا الضرب من حروب الخنادق والجزر الملتفة والمتقطعة، والمتصلة على صورة الأرخبيلات الداخل بعضها في أجزاء بعض، الى ما لا يحصى من الاشتباكات والهجمات والمدافعات والاحتلالات والجلاءات الموضعية والمحلية الجزئية. وشيئاً فشيئاً يتوارى أفق الحرب الواحدة، ولو أهلية، وتبدد شظايا غارات كثيرة لا تحصرها سياسة مشتركة أو متضافرة. وقوات النظام نفسها، على رغم القوام البيروقراطي المركزي او الهرمي المفترض، انحلت «ألوية»، على ما تسمي قوات المعارضة المسلحة نفسها، وجيوشاً وفرقاً، بعضها أهلي خالص، وبعضها مختلط، وبعضها «جلب» إما من دولة أو من طائفة مذهبية، ومقترض ومستعار، وبعضها يخوض حرباً تقليدية، وبعضها الآخر حرب غوار، وبعضها الثالث حرب سلب وفتح، وبعضها الرابع حرب مطامير ومدافعة في ركن حصين من قاعدة عسكرية... الأربعاء: 27/3/2013: يهود مصر العائدون للصراع في مصر وجه ثقافي، ولا تزال «الدولة العميقة» للثقافة المصرية عصية على «الإخوان» الحاكمين وحلفائهم، كما كانت عصية على الناصرية التي سرعان ما تخلت عن الصراع لتتبنى الثقافة المصرية «العميقة» وتندرج في سياقها. هل يكرر «الإخوان» نهج الناصريين أم يستمرون في الصراع، كونه -في نظرهم- صراعاً بين الإسلام والتغريب؟ وفي موازاة تظاهرات المعارضة المصرية هناك نهضة ملحوظة في الموسيقى والغناء والسينما والرسم، كما تحفل الأندية ودور النشر بنشاطات وأعمال تستعيد التعدد الثقافي والاجتماعي للشعب المصري، وامتدادات هذا التعدد العربية والأفريقية والأوروبية. وما يلفت، قبل ثورة 25 يناير وبعدها، نشر كتب، موضوعة ومترجمة، عن اليهود المصريين، باعتبارهم جناحاً من أجنحة الشعب المصري، وعدم دمج سيرتهم بالصهيونية أو بدولة إسرائيل. ومن أحدث الكتب «الرجل ذو البدلة البيضاء الشركسكين» للوسيت لنيادو، الكاتبة المصرية المقيمة في الولاياتالمتحدة. نقل الكتاب الى العربية مصطفى الطناني ومدحت مقلد وعفت عبدالفتاح ونشرته دار الطناني في القاهرة. تروي المؤلفة، سيرة عائلتها اليهودية المصرية، ورحيلها القسري الى أميركا نتيجة ظروف سياسية دفعت معظم يهود مصر الى الهجرة. سيرة دقيقة للإقامة المصرية السعيدة وللمهجر الأميركي المملوء بالصعوبات والعقبات، خصوصاً لعائلة لم تعطها يهوديتها أي تسهيلات بسبب ابتعادها عن المجال السياسي. صورة وردية لمصر المتعددة يقدمها الكتاب عبر شخصيات العائلة، وأبرزهم الأب العاشق الأنيق الذي يحب الحياة، والجدة المحافظة التي لم تعرف من يهوديتها سوى المطبخ الحلبي. هنا ندرك أن العائلة أتت الى مصر من حلب، ونتلمس روح يهود حلب الموزعة في العالم تصل إليها بالكلمة/ المفتاح: المطبخ. وأحدث وجوه الإصرار على التعددية المصرية أن صالات عدة للسينما في القاهرة تعرض منذ اليوم الفيلم التسجيلي «عن يهود مصر» للمخرج أمير رمسيس، وهو حصيلة مقابلات مع يهود مصريين هاجروا الى أمكنة أخرى غير إسرائيل، ومنهم من ناضل في صفوف الحركة الوطنية المصرية ضد الاستعمار البريطاني وضد الصهيونية أيضاً. الجمهور المصري يشاهد يهوداً مصريين على الشاشة الكبيرة في عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي.