فكرة السير على الثلج مع حرارة خارجية تصل الى عشر درجات تحت الصفر، قد لا تروق لكثيرين، لكن لا بد من القيام بهذه الطقوس لاكتشاف لغز «بيرتس» النسخة اللاتفية من الساونا، وهي كناية عن قمرات صغيرة مزخرفة ومستديرة الشكل تُسخّن بواسطة مواقد خشبية. يرى يوريس باتنا صاحب مجمع «ليلزيمينيس» الواقع على بعد حوالى 50 كيلومتراً جنوب العاصمة ريغا، أن طقوس «بيرتس» هي أبرز محافل لاتفيا. قد لا تبدو ال «بيرتس»، مختلفة كثيراً عن الساونا أو الحمّامات التركية، لجهة انها غرف صغيرة ترتفع في داخلها الحرارة. لكن الفارق الكبير هو «ما نقوم به في الداخل. نسمي ذلك طقوساً»، بحسب الرجل الخمسيني. الأمر كله يبدأ كما في الساونا التقليدية، لكن بسرعة ننتقل الى تجربة فريدة للحواس، عندما يدخل يوريس في صلب هذه الطقوس ويبدأ فرك ظهور مرضاه مستخدماً مجموعة وسائط أشبه بمكانس الساحرات في الروايات. وبالتوازي مع ارتفاع الحرارة، تنضم الحصى الساخنة والاناشيد الايقاعية وأصوات الأجراس والزيوت، تدريجاً الى هذه الطقوس التي تشكل مزيجاً غريباً في بعض الاحيان يجمع الحواس والروائح والاصوات... والتعرّق. وهذه الطقوس التي تستمر في حال التزم المرء بها كاملة، 3 ساعات على الاقل. وقد تصل أحياناً الى 6 ساعات، يُستخدم فيها أكثر من 10 حزم خشبية مؤلفة من أجناس نباتية مختلفة، وفق يوريس باتنا. أما اللمسة النهائية التي يحين موعدها بعدما يبلغ الجسد مرحلة الذوبان، فتتمثل بالغوص في مياه جليدية أو التدحرج على الثلج. لكن قبل الخروج لمواجهة الصقيع الذي يسبق الوصول الى ما يعرف بالنيرفانا أو نشوة الروح، يصمت يوريس قليلاً قبل ان يقول مبتسماً: «انها اللحظة التي يشعر فيها البعض بما يسمّونه اختبار الموت الداهم». ويجذب مركز «ليلزيمينيس» عشرات علماء التاريخ والاشخاص الذين لديهم شغف بالفولكلور اللاتفي. ويوضح يوريس الذي يعلّم فن ال «بيرتس» لعدد كبير من محبي هذه الطقوس: «ثمة أكثر من 300 أغنية شعبية فولكلورية تتمحور حول ال «بيرتس» حيث شكّل المكان الذي تجرى فيه أهم احداث الحياة». ويشير الى ان «اللاتفيين كانوا يولدون في مواقع ال «بيرتس» وفي نهاية حياتهم كانوا ينقلون الى المكان نفسه قبل دفنهم». وقبل الزواج، تقصد النساء مراكز ال «بيرتس» للاستعداد لحياتهن الجديدة أو بعد الانجاب برفقة مواليدهن الجدد. كما أن طقساً آخر بات في طور النسيان تقريباً يتعلق بالانتقال الى سن البلوغ لدى الفتيان.