توقفت الحافلة عند الحاجز من أجل إجراءات التفتيش المعتادة، تفحّص العنصر وجوه الركاب وقبل أن ينظر في بطاقاتهم الشخصية التي أبرزوها له، أشار إلى ثلاثة شبان كانوا بينهم بالنزول، اصطحبهم إلى ركن بعيد من عيون باقي الركاب ونهرهم بصوت عالٍ طالباً إليهم التزام الصمت. وما هي إلا دقائق قليلة حتى وصلت سيارة نقل، حملت الشبان الثلاثة وانطلقت بهم إلى مكان لا يعرفونه ومن دون أن يتلقوا رداً شافياً أو تفسيراً لما يجري لهم. وتحدّث أحد الشبان الثلاثة الذي رفض ذكر اسمه عن تجربته بقوله: "لم يكن لدى أي منا سبب يدفعه للاعتقاد بأننا قد نكون مطلوبين للجهات الأمنية، فكلنا من الطلاب غير المنخرطين في أي نشاط سياسي. بدأنا نفكّر بأننا قد نكون خطفنا من أجل طلب فدية أو أننا تعرّضنا لعملية ابتزاز. لكن سرعان ما تبددت هذه الأفكار مع وصولنا إلى بناء ضخم أشبه بدشمة عسكرية، حيث كان هناك أشخاص مدنيون يقومون بأعمال تحصين. استقبلنا شخص ضخم الجثة وقذف في وجوهنا أكياساً ومعاول وأمرنا بنقل أكياس التراب إلى سطح المبنى وشرفاته من دون إبطاء"! ويتابع: "كان مجرّد الاعتراض على تنفيذ الأوامر كفيلاً بفتح أبواب جهنم على المعترض. فالأشخاص الذين كانوا في الموقع قبلنا كانوا يعملون بصمت مطبق حتى أنهم لم يجرؤوا على النظر إلينا، ما يفسّر حجم القمع والترهيب الذي مورس عليهم. حاولنا التعبير عن رغبتنا بهذا العمل كنوع من واجبنا الوطني، وأن كل ما نريده هو استعمال هواتفنا التي أخذوها منا لإعلام ذوينا أننا بخير، وأننا لسنا معتقلين أو مختطفين، لكن من دون جدوى". ويضيف متذكراً: "بعد ساعات من العمل المضني بدأنا نكسر جو الرتابة الذي يسيطر على المكان الموحش بتبادل أحاديث مع من هم أقدم منا، فاكتشفنا أن بينهم من يقوم بهذا العمل منذ أيام، ولا يعرف عنوان المكان، كما أن ما يقدّم من طعام جاهز لا يسد رمقاً، ولم يسمح لهم بالاستحمام أبداً وينامون في غرفة لا تتسع لنصف عددهم في الأحوال العادية". لم يكن حظ محدثنا بسوء حظ الباقين، فقد تمكنت عائلته من التعرف إلى مكان احتجازه ونجحت في إطلاق سراحه وسراح صديقيه قبل ان يكملوا يومهم في هذه السخرة الإجبارية. فعادوا إلى بيوتهم تاركين وراءهم أشخاصاً لم يُعرف مصيرهم بعد. في الجانب الآخر، لم توفر جهات معارضة في قتالها مع القوات الحكومية إمكان الإفادة من جهود أشخاص موالين كانت تحتجزهم. وأكدت تقارير إعلامية وشهادات فردية إجبار قوى محتجزين لديها على أعمال سخرة مماثلة وبشروط لا إنسانية. وكان أخطرها حفر الأنفاق الذي أودى بحياة عدد من المحتجزين، بعضهم بسبب انهيارات الأنفاق. وأطلق سراح قلة قليلة فخرجوا أحياء بعدما أصبحوا عاجزين عن الاستمرار في العمل. تتواصل ممارسة أعمال السخرة بالإكراه من دون أي اعتبار للقوانين المحلية أو لاتفاقية تحريم السخرة الرقم 105 للعام 1957، التي تنص مادتها الأولى على تعهّد كل عضو في منظمة العمل الدولية يصدّق هذه الاتفاقية، بحظر أي شكل من أشكال عمل السخرة أو العمل القسري، وبعدم اللجوء إليه كوسيلة للإكراه أو التوجيه السياسي أو كعقاب على اعتناق آراء سياسية أو آراء تتعارض مذهبياً مع النظام السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي القائم. وإذا كان من غير المعلوم على وجه الدقة النطاق الحقيقي الذي تمارس فيه أعمال السخرة في سورية، إلا أن من المؤكد ضلوع أطراف النزاع في استخدام هذا النوع من الانتهاكات في المواجهات، وأن أطفالاً دون سن ال18 أُجبروا على القيام بأعمال سخرة قسرية في ظروف غير إنسانية، منهم من لا يزال مصيرهم مجهولاً.