استنفرت بريطانيا أجهزتها الرسمية خلال الصيف، كما اعتادت أن تفعل خلال السنوات الماضية. وزّعت تعليمات صارمة على ضباط الهجرة في المطارات والموانئ لكشف المشتبه فيهم وتوقيفهم و«تحرير» ضحاياهم، ووعدت بالعمل على إعادتهم سالمين الى البلد الذي جاؤوا منه. هؤلاء وأولئك ليسوا في الواقع خاطفين إرهابيين ومدنيين مخطوفين. إنهم مجرد أب أو أم مع أفراد عائلتهما في رحلتهم إلى موطنهم الأصلي لتمضية «عطلة الصيف».... وتزويج الفتيات اللواتي ما زلن عازبات من أفراد الأسرة. وأصدرت الحكومة البريطانية في الأسابيع الماضية تحذيرات صارمة لأساتذة المدارس والأطباء وموظفي المطارات، كي يكونوا متنبّهين لأي عملية تزويج قسرية يمكن أن تحصل خلال العطلة الصيفية. ووفق الحكومة، فإن فترة عطلة المدارس خلال الصيف تشهد عادة ذروة حالات «الزواج بالإكراه»، عندما يمكن أخذ الشابات والشبان الصغار في «عطلة»، من دون أن يكونوا على دراية بالهدف الحقيقي من هذه الرحلة البعيدة. وتشمل هذه العادة أبناء الجاليات المسلمة وبناتها، وخصوصاً من ذوي الأصول الباكستانية والبنغالية وبعض العرب. ويعمد الآباء، عادة، على إيهام بناتهم بأن العائلة ذاهبة لحضور حفلة أو قضاء عطلة في بلدها الأصلي، على أمل إيجاد عريس مناسب ينتمي إلى الأسرة أو القبيلة ذاتها، والأهم من ذلك الدين ذاته. وبين حزيران (يونيو) وآب (أغسطس) من العام الماضي، تلقت «وحدة الزواج القسري»، وهي عملية مشتركة بين وزارتي الداخلية والخارجية، أكثر من 400 تقرير عن حالات زواج بالإكراه. وخشية أن تكون أرقام هذه السنة مرتفعة أكثر، وزّعت الوحدة بطاقات بعنوان «الزواج: إنه خياركَ/ خياركِ»، تتضمن معلومات تشرح طريقة الحصول على مساعدة أو نصائح سرية للضحايا المحتملين للزواج القسري. وتحوي البطاقات تنبيهاً للشابات أو الشباب الصغار كي يذهبوا إلى الشرطة أو موظفي شركات الطيران في المطار إذا كان ليس لديهم أي مكان آخر للفرار إليه. ورأى وزير مكافحة الجريمة جيريمي براون أن «ارتفاع عدد التقارير عن الزواج بالإكراه خلال العطلة المدرسية مثير للصدمة. إن اليافعين الذين يتوقعون الحصول على نتائجهم في امتحانات «جي سي أس إي» و «درجة أي» (موازية للبروفيه والبكالوريا) يجب أن يستعدوا لمواجهة مستقبل مشرق، لا أن يكونوا معاقبين في زواج من شخص لم يلتقوا به أبداً ولا يريدون أن يتزوجوا به». وقال: «هذا استغلال خطير لحقوق الإنسان، ولهذا السبب فإننا نسن تشريعاً يجعله (الزواج القسري) غير قانوني». وتابع الوزير: «رسالتي إلى الشبان والشابات الصغار الذين يشعرون بأنهم في خطر: تعالوا (إلينا)، فليس عليكم أن تعانوا في صمت. هناك مساعدة متوافرة لكم ويمكن وقف الزواج القسري». أما الوزير في وزارة الخارجية مارك سيموندز، فقال إن «عطلات الصيف المدرسية هي وقت يكون فيه الشبان والشابات الصغار في أعلى درجات الخطورة بأن يجري اصطحابهم إلى الخارج (خارج بريطانيا) كي يجري تزويجهم قصراً». وأضاف: «بطاقات «الزواج: إنه خياركَ/ خياركِ» تشرح أن الناس الذين يكونون في خطر تزويجهم قصراً يجب أن يعرفوا أنه يمكنهم اللجوء إلى وحدة الزواج القصري للحصول على مساعدة، سواء كانوا في بيتهم (في بريطانيا) أو مسافرين في الخارج. وحدة الزواج القصري لديها خط مساعدة سري، ويمكن الحصول منها على نصيحة من خلال الاتصال برقمها» الذي وزّعته الحكومة في المطارات والمدارس. أما مؤسسة «جمعية الحرية الخيرية» أنيتا بريم، فقالت إن المعلومات التي تتضمنها بطاقة «الزواج: إنه خياركَ/ خياركِ» يمكنها «أن تنقذ حياة شخص ما». وأضافت: «من المهم جداً للشبان والشابات الصغار المسافرين إلى الخارج لحضور حفلة زواج عائلية هذا الصيف أن يعرفوا أن هذا الزواج الذي سيحضرونه قد يكون زواجهم هم، وأن يعرفوا أنه يمكنهم الحصول على مساعدة إذا شعروا بأنهم في خطر». وتعمل «وحدة الزواج القسري» في بريطانيا منذ إنشائها عام 2005، وهي مركز مكلف التعامل مع المسائل المتعلقة بسياسات الزواج بالإكراه والتواصل مع الشبان والشابات المهددين بأن يكونوا ضحاياه. ويشمل نطاق الوحدة بريطانيا وخارجها، وهي توفر المساعدة (بما في ذلك من خلال القنصليات البريطانية) للمواطنين الذين يحملون جنسية المملكة المتحدة حتى وإن كانوا يحملون جنسية دولية ثانية. ويمكن أن توفر هذه الوحدة مكان إقامة للضحايا المحتملين للزواج القصري، وأيضاً إلغاء تأشيرات ممنوحة لأشخاص تزوجوا قصّراً من بريطانيات. وفي التعريف الرسمي البريطاني للزواج القسري: «لديكِ الحرية أن تختارتي من تتزوجين به، متى تتزوجين به، أو إذا كنت تريدين الزواج مطلقاً. الزواج القسري هو عندما تواجهين ضغطاً بدنياً للزواج (مثلاً التهديد، العنف البدني، أو العنف الجنسي) أو ضغطاً عاطفياً أو نفسياً (مثلاً إذا تم إشعارك بأنك تجلبين العار لعائلتك)». ويمكن وحدة الزواج القسري أن تذهب إلى المحاكم لاستصدار قرارات بوقف أي زواج يتم بالإكراه، وإلزام الزوج بإعادة جواز سفر زوجته أو كشف مكان وجودها. وفي حالات الطوارئ يمكن أن تصدر المحكمة قرارات فورية بتأمين أماكن إقامة للزوجة التي تعرضت للزواج بالإكراه. ويمكن أن يتعرض الزوج لعقوبة السجن سنتين إذا حالف قرارات المحكمة. أما إذا كانت الزوجة التي يجرى تزويجها قسراً موجودة خارج بريطانيا، فإن الحكومة تعد بتأمين الحماية لها من خلال السفارات البريطانية بما في ذلك تأمين إعادتهن إلى المملكة المتحدة.