أرقام فلكية تدور في رأس كل شاب فلسطيني. ينام وهو يفكر فيها، ويصحو وهو يحلم بها. كوابيس تطارد عقله في اليقظة وفي اللاشعور. تلك الأرقام هي رسوم الجامعة ومصروف الجيب وثمن الكتب والمواصلات والملابس. وبعد التخرج ، إذا حالفه الحظ وأكمل تعليمه، قيمة المهر وثمن البيت، اذا كان طموحه غير محدود، لكن في الغالب يكون السؤال أجرة البيت وفاتورة الكهرباء والماء وأنبوبة الغاز والخضار والدقيق والبقالة ... والنتيجة ارتفاع سن الزواج وما يتبعه من أمراض اجتماعية. الزواج سنّة من سنن الحياة وليست رفاهية زائدة يستطيع الشباب الاستغناء عنها، لكن كيف يستطيع شاب أن يوفر مهراً بقيمة أربعة آلاف دينار في حده الادنى وألفي دينار على الأقل كملحقات للزواج، من فرح وما تتطلبه العادات والتقاليد في بلادنا. وبعد ذلك يحتاج إلى تأثيث منزل لن يقل عن 1500 دينار عند الاقتصاد الشديد، وبعد ذلك أمامه أحد الحلول المتاحة، إما شراء منزل بحد أدنى قيمته 15 ألف دينار أو استئجاره، وهو بذلك يحتاج إلى 120 دينارأ بشكل شهري وما لا يقل عن ضعف هذا المبلغ للطعام والاحتياجات اليومية الضرورية، أو عليه القبول بأقل الأمور تكلفة وهو العيش في غرفته عند أهله وغالباً النتيجة الحتمية ستجدها على أبواب المحاكم الشرعية. ألا تعتقدون ان ما هو مطلوب من الشباب هو أرقام فلكية تحتاج إلى مصباح علاء الدين لتحقيقها؟ وان أغرب ما نسمعه هو قول بعض الأهالي الأكبر سناً توبيخاً للشباب :» على أيامنا كنا «. نعم كنتم، ولكن لم يكن ثمن المنزل ومهر العروس وتكلفة المعيشة بهذه الأرقام التي يتوجب تسجيلها في جينز، كما لم يكن الحصول على عمل هو أسمى أمانيكم، ولم يكن الشاب الذي يود أن يبدأ حياته بمشروع صغير يستعين به يحتاج إلى كومة من الدولارات. إن الشباب لن يتردد في قبول أي مهنة حتى وان كانت لا تناسب طموحه أو تحصيله الأكاديمي، ولكن أين هي هذه المهنة بالذات لدى شباب قطاع غزة ؟ فإذا أراد أن يعمل في البناء، فهناك يوم عمل كل عشرة أيام. وإذا أراد أن يعمل سائقاً فمن أين ثمن السيارة، علاوة على ما يتطلبه العمل من احتياجات ورسوم وغيرها، وإذا أراد أن ينشىء أي مشروع ووفقه الحظ في توفير احتياجات هذا المشروع، من مقر ورأس مال، فإحسب عدد المعوقات والعراقيل أمامه وقس على ذلك أي وجهة أو قبلة يولي الشاب وجهه إليها. أصبح الشاب يخرج على المعاش ويصل إلى سن التقاعد وهو لم يوفق في إيجاد فرصة عمل، ولا يشفع له تحصيله العلمي أو رغبته في العطاء أو أمله في الغد. فمن هو المسؤول عن هذه الحالة التي أصبح فيها الشباب يسيرون في الشوارع بلا هدى أو يجلسون في المقاهي يخدرون عقولهم في التهليل والتصفيق لبرشلونة وريال مدريد وغيرهما ؟ هل انحدر شبابنا فعلاً وأصبح أجوف ؟ أم أنها الحالة الطبيعية التي يحاول معها الشباب إخفاء آلامه وحصرها من خلال تسكينها بالصراخ والضحك. لم يكن الشباب يوماً أجوف أو فاقد الوعي والإحساس، فهو يمتلك إحساساً عالياً بالمسؤولية، والدليل قدرته على العطاء، فإذا أجرينا إحصائية لعدد الشهداء سنجد أن جلهم من الشباب والأسرى والجرحى، لكن الشباب الذي يعطي لا يجد من يعطيه ويهتم بأمره، فارحموا الشباب عماد هذا الوطن ومستقبله ولا تدعوه يفقد الإحساس والوعي. أيها المسؤولون: كيف سيعيش الشاب إذا لم يكن هناك من يهتم لأمره ويحاول مساندته في شق طريقه وبناء مستقبله. فلا تتجنوا على الشباب من خلال تجاهلكم مشكلاته، وان كنا نعلم أننا الشباب أصبحنا في هذا الوطن في ذمة الله أحياء وأمواتاً.