يقول «جان - جاك روسو»، في النص الذي نقله للعربية «عبدالله العروي»، في كتاب «دين الفطرة»: «حكُمنا على أفعالنا هو الذي يُضفي عليها قيمة أخلاقية... إن صح أن الخير خير حقاً وجب أن يكون كذلك في قلوبنا وفي أفعالنا... وجزاء العدل هو أولاً وقبل كل شيء الشعور بأدائه... إن كان الإنسان طيباً بطبعه، فلا يكون سليماً عقلاً وجسداً إلا إذا تحلّى بتلك الفضيلة، أما إذا كان الأمر بعكس هذا، وكان الشر هو جبلّة البشر، فلا ينفك عنه إلا بفساد خلقه، إذ تصبح الطيبوبة عيباً فيه... إن كان القصد من وجود الإنسان أن يُلحق الضرر بأخيه الإنسان، كالذئب المجبول على عقر فريسته، عندها يعود الإنسان الشفيق، كالذئب الحنين، حيوان مشوه منحرف، وتكون الفضيلة هي التي تستوجب الندم». وزير العدل والنائب العام الأميركي القاضي «إريك هولدر»، يتولى هذا المنصب منذ العام 2009، وكان قبل ذلك قاضياً في المحكمة العليا بمقاطعة كولومبيا، يتسم بجاذبية الشخصية التي تبحث في منافذ القضايا العدلية، زار الرياض أخيراً، وكان له لقاءات مع كبار المسؤولين في السعودية. ما أثار انتباه واهتمام المعلقين ووسائل الإعلام العالمية، إعلانه، في المؤتمر الصحافي، أن حكومة الولاياتالمتحدة الأميركية، مهتمة ببرنامج «المناصحة» الذي تعمل به المملكة العربية السعودية مع أصحاب الفكر المتشدد؛ وقال: «التطرف يؤثر في الجميع، والشباب يتأثرون بالأفكار الراديكالية، وينجذبون إليها، وأنه سيعمل مع المملكة العربية السعودية على تطبيق هذا النظام في الولاياتالمتحدة الأميركية». جميل جداً أيها القاضي والوزير، الممسك بتلابيب القضايا العدلية في أميركا، والمؤثرة بشكل مباشر، أو غير مباشر، على العالم، الحكم سيكون على الأفعال الذي يُضفي عليها قيمة أخلاقية؛ واسمح لنا أيها الوزير والنائب العام العدلي، أن نفتح معك خزانة الأسئلة، بعيداً من كل أغراض شخصية، لنعرف هل نحن أمام عمل وتوجه جديد يستأثر باهتمامنا، أم نقف أمام عمل مسرحي إعلامي يتمناه القضاة، ولكن العمل السياسي والاستخباراتي سيُبطله؟! ليس من قلة المعرفة أن أطرح أسئلة ساذجة أمام عالم جديد محكوم بالمصالح الخاصة، حوّل خرق وانتهاك القوانين إلى لذة استمتاع بحقوق الضعفاء والأبرياء، تُحيطها حماية مؤسسات دولية، ترفع حقوق النقض «الحمر والصفر» لمن يُلقي نظرة عادلة على قضايا شعوب الأرض، ويتصفح أخبارهم! صرخة ضمير أيها الوزير العدلي، ننقلها إليك قبل أن تتوجه إلى الشبان في بلادكم لمناصحتهم ضد التطرف، والأفكار الراديكالية، التي تمثل لك هاجساً؛ أليس من الأولى أن تبدأ بالقدوة؛ السياسيين الأميركيين الذين خَلّفوا وراءهم قضايا الخزي والعار في إنتهاك القوانين الدولية في معسكر «غوانتانامو»، الذي ذكرت أنه، على رغم توقيع الرئيس أوباما قرار إغلاقه قبل أكثر من أربع سنوات، إلا أن العمل مع المُشرّعين في الكونغرس الأميركي لا يزال قائماً من أجل تنفيذه، وأن الحظ لم يحالفكم بعد لإغلاق معسكر التعذيب؛ أي حظ ذاك الذي يقف عثرة أمام تنفيذ قرار قانون عدلي؟! أي حظ ذاك الذي جعل من تعذيب البشر في سجن «أبو غريب» في العراق في طَيّ النسيان، على رغم بلوغ الشواهد ووضوح أدلة الجريمة؟! وأي شباب تقصد إقناعهم في الولاياتالمتحدة الأميركية بعدم التأثر بالتطرف والأفكار الراديكالية، وهم يستمدون الثقافة من السياسة الأميركية، وينهلون من معينها، وهي التي تُعين الظالم المُحتل الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني المظلوم؟ كيف سيستجيبون لدعوتكم ل«المناصحة»، وهم ينظرون إلى سياسة الإحجام الأميركية عن نصرة الشعب السوري، الذي يُذبح يومياً من نظام فاشٍ، إنتهك بشكل مفزع كل القوانين والأعراف الدولية؟... وحجتكم المضحكة المبكية أن بلادكم ترفض تزويد قوات المعارضة السورية بالسلاح، لأن عناصر تنظيم «القاعدة» يُشكلون جزءاً من الجيش السوري الحر؟! بماذا ستُجيب أيها النائب العام والوزير العدلي، عندما يسألك شاب أميركي مقصود ببرنامج المناصحة – الذي ستعمل على تطبيقه في بلادكم - من الذي دعم وشَكّل البنية التحتية لتنظيم القاعدة، ألم تكن الولاياتالمتحدة الأميركية؟ ولماذا لا تكون أميركا وإسرائيل هما من أسهما في دخول أعضاء تنظيم القاعدة إلى سورية عبر المنافذ العراقية؟! الأسئلة كثيرة أيها القاضي، والنائب العام، والوزير إيريك هولدر، لديّ شعور بصدق مقاصدك العدلية، ولكن الواقعين السياسي والاستخباراتي في بلادكم مسرحية هزلية، تتلاعب بالأعراف والقوانين، تلاحقكم ذنوبها في الحل والترحال، والحظ لم يحالفكم مثلما لم يحالف المشرعين في الكونغرس الأميركي لإغلاق معسكر «غوانتانامو»... ولكن «لا تحزن». أنصحك أيها الوزير بقراءة كتاب الشيخ عائض القرني «لا تحزن»، وكتاب «ثلاثون سبباً للسعادة»، وشيخنا لكي تعرفه، أمة في رجل، أَلّف في الحديث والتفسير، والفقه والأدب، والسيرة والتراجم، ولديه دواوين شعرية، تاريخه وسيرته تحملان أكثر من 40 مؤلفاً، ويمتلك خبرة وسجلاً حافلاً، وصولات وجولات هائلة في برامج «المناصحة»، كل ما يحتاجه شيخنا الفاضل دورة مكثفة لتَعَلّم اللغة الإنكليزية، وسيكون لك يا سيد إريك سنداً وعوناً في وزارة العدل لتأسيس مركز للمناصحة الأميركية؛ وسينصحك أولاً بعقد خلوة بينه وبين السياسيين الأميركيين، وستتأكد بعدها أن هناك نسقاً بين الشيخ عائض القرني، وجان جاك روسو، على أن جزاء العدل هو أولاً، وقبل كل شيء، الشعور بأدائه، وإن كان الإنسان طيباً بطبعه، فلا يكون سليماً عقلاً وجسداً إلا إذا تحلى بتلك الفضيلة. ربما يتعرض الشيخ عائض القرني لأصعب موقف يواجهه في حياته، عندما تثور أسئلة السياسيين الأميركيين أمامه، حول حقوق الإنسان والمسجونين، وأحوال السجون في بلاده، والبلدان العربية كافة، أجزم أن الشيخ عائض القرني، بما أوتي من سحر البيان، لن يتلعثم، ولكن جبينه سينضح شوقاً للخلاص من حرج الأسئلة! * كاتب سعودي [email protected] @alyemnia