تنتهي اليوم، الدورة الرابعة عشرة من المهرجان الدولي للحكاية والمونودراما التي بدأت الثلثاء الماضي على مسرح «مونو» في بيروت. ويودّع جمهور المهرجان، الحكواتيين على أمل اللقاء في السنة المقبلة. أربعة أيام مضت أكّدت أنّ الجمهور لا يزال يتوق إلى الحكاية، إلى التواصل المباشر وجهاً لوجه مع الحكواتيين. ويحتاج إلى «اللقاء» في زمن بات التواصل فيه يتمّ عبر الشاشات، والأخبار والقصص تُتناقل عبر الرسائل القصيرة أو عبر «واتسآب» و «فايسبوك» و «تويتر»! حملت هذه الدورة من المهرجان عنواناً عريضاً هو «أفريقيا». لماذا؟ لأنّ أفريقيا، على حد ما يقول المدير الفنّي للمهرجان جهاد درويش، هي «مهد الإنسانية حيث الحكاية ما زالت حاضرة». في أفريقيا يشبّهون الحكاية ببقعة زيت تترك أثراً عند الذين يسمعونها، على عكس نقطة الماء التي تتبخّر بمجرّد شروق الشمس. الحكواتيون الذين اختيروا للمشاركة في المهرجان هم من الجيل الجديد، الجيل الشاب الذي يعيش في العصر الحديث ولكنّه يحافظ على صلة وصلٍ تربطه بالأجيال السابقة. هؤلاء الحكواتيون هم الجسر الذي يربط بين الحداثة والشمولية. سايدو أباتشا من الكاميرون، رشيد أقبال من الجزائر، أبدون فورتونيه من الكونغو، سليمان مبودج وبوبكر ندياي من السنغال، هم الذين أحيوا العروض الأربعة الماضية من المهرجان، وسيجتمعون معاً عند الساعة السابعة والنصف من مساء اليوم في قبو كنيسة مار يوسف في شارع مونو - الأشرفية، للمشاركة في «مسابقة الكذب»، حيث يكتب كل شخص من الجمهور على ورقة صغيرة، كلمةً تخطر في باله. وتوضع هذه الأوراق في وعاء صغير. تُسحب ورقة من الوعاء ويُسحب إسم أحد الحكواتيين الذي يكون عليه ابتكار حكاية تنطلق من الكلمة المكتوبة. وهكذا ينتقل الدور من حكواتيّ إلى آخر، ومن كلمة إلى أخرى، طوال ساعة ونصف الساعة من الارتجال، في جوٍّ ممتع، كما اعتدنا خلال ختام كل دورة من المهرجان الذي استطاع أن ينمّي جمهوره سنة بعد سنة. أربعة أيام أحياها الحكواتيون بقصصهم الجذابة المسلية، فكان موضوع المرأة حاضراً بقوة عندهم، علماً أنّ معظم السهرات افتُتحت بأمثال وحِكم شعبية إفريقية. رشيد إقبال تطرّق إلى الحراك العربي من خلال حكاية تقليدية فلمّح إلى السلطة والديكتاتورية في ظلّ ما حصل وما يحصل اليوم. ليست المرّة الأولى التي يُدعى فيها حكواتيون من أفريقيا، ولكن ما ميّز هذه الدورة وفق ما يرى جهاد درويش، أنّها المرّة الأولى التي تُروى الحكاية الإفريقية بمختلف أشكالها وألوانها، من الشكل الفكاهي إلى الحِكَمي، إلى الجدي والفلسفي... ويقول: «إنّها المرّة الأولى التي نقوم بجولة أفق واسعة حول الحكاية الإفريقية المعاصرة ونشاهد بانوراما متكاملة حولها». إقبال الجمهور على المهرجان كان جيّداً، «حتّى إنّه فاق بقليل عدد جمهور العام الماضي»، يؤكّد درويش. ويضيف: «التجاوب كان كبيراً، وهذه المرّة الأولى التي أسمع تعليقات إيجابية بهذا المقدار بعد كلّ عرض». الحكايات تتشابه في مواضيعها، لكنّها تختلف في معالجتها، وفق منظار كل شخص ووفق البُعد الإجتماعي والثقافي الذي يأتي منه، لذلك يفرح الجمهور بالاستماع إلى الحكايات في زمن تكثر فيه «العواصف» السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تبعد الناس بعضهم عن بعض. «فالحكايات هي المساحة المشتركة الآمنة التي يلتقي فيها الجميع»، كما يرى درويش. ويفيد بأن ما أنتجه المهرجان من حكواتيين شباب في لبنان، هو أهم من المهرجان بحّد ذاته. «فهؤلاء الذين نشأوا بفضله يتكلّمون طوال السنة، وليس فقط لوقت محدد محصور بأوقات العرض، وهم يمثّلون لبنان في مهرجانات خاصّة بالحكاية في الجزائر وعمّان ومصر وغيرها». ودعا درويش عبر «الحياة» كل الناس لأن يكونوا كُثراً الليلة، «فالحكاية لا تعيش إلا إذا سمعها الناس». وعلى رغم إمكانات المهرجان المادية والبشرية المحدودة، فهو قادر على صنع فرق كبير بمجرّد أن يكون عدد الحضور كبيراً.