تتجه فرنسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة لإمداد مقاتلي المعارضة السورية بمساعدات أملاً في دعم القوى الأكثر ميلاً إلى العلمانية على حساب الإسلاميين المتشددين الذين يكتسب دورهم في الانتفاضة أهمية متزايدة. وتلقي بظلالها في هذا المجال، التجربة في أفغانستان، حيث ساعد تسليح الأميركيين قوات المجاهدين في الثمانينات على صعود مقاتلي «طالبان» و «القاعدة». وتبدو فرنسا وبريطانيا أكثر إقبالاً من الولاياتالمتحدة على مزيد من التدخل، لكن في ظل تسليح دول خليجية مقاتلي المعارضة علناً، فإن بريطانيا وفرنسا، الملتزمتين مع واشنطن بتحقيق هدف رحيل الرئيس بشار الأسد، تريدان على الأقل ضمان وصول الأسلحة للجماعات المعنية، وألا تكون شديدة التطور، حتى لا تمثل تهديداً للغرب. وهما تعتقدان أنهما الآن في موقف يسمح لهما بهذا، بعد عامين من اندلاع انتفاضة تحولت إلى حرب أهلية وأودت بحياة نحو 70 ألف شخص وأدت إلى تشريد مليون شخص. وقال ديبلوماسي غربي كبير: «الحجج المعروفة الرافضة تسليح مقاتلي المعارضة، مثل البحث عن حل سياسي أولاً، وعدم اللجوء إلى عسكرة الموقف، او الخوف من سقوط الأسلحة في أياد غير ملائمة، بدأت تفقد تأثيرها». وأضاف: «حددنا الآن أين يمكن أن تذهب الأسلحة، ومن سيحصل عليها. الضغط على بشار لا يجدي نفعاً، ولا نستطيع أن نسمح باستمرار اغتيال أحد الأطراف». وفي الأسبوعين الماضيين، أعلنت بريطانيا والولاياتالمتحدة زيادة كبيرة في الدعم «غير الفتاك» لمقاتلي المعارضة، وأصبح دعم الدولتين لجهود دول في الخليج لتسليح المعارضة أكثر علانية. ويُعتبر دعمُ مقاتلي المعارضة على نحو متزايد، الأداةَ الوحيدة المؤثرة التي تملكها القوى الأجنبية، واذا لم يتم تسليح قوى أكثر اعتدالاً، فإن الإسلاميين -المتفوقين من حيث العتاد والتدريب-قد يكتسبون مزيداً من القوة. وقال اشفون اوستوفار المحلل الاقليمي بمركز التحليلات البحرية، وهي مؤسسة بحثية تمولها الحكومة الأميركية وتقدم الاستشارات للجيش الأميركي إلى جانب عملاء آخرين: «الأساس هو أنهم (مقاتلو المعارضة) يحصلون على أسلحة». وأضاف: «هذا خيار صعب جداً... لكننا إذا لم نمدّهم سيفعل هذا غيرنا». ويخشى الكثير من الديبلوماسيين والمحللين من أنه كلما طال أمد حرب سورية زاد خطر تشرذم دولة عربية رئيسية في قلب صراعات الشرق الأوسط وسقوطها في فوضى مسلحة، ما يعرض جيرانها للخطر. ويقول مسؤولون إن بريطانيا، وبالتالي فرنسا، لن تتحركا من دون دعم الولاياتالمتحدة على الأرجح، والتي تتبنى موقفاً أكثر حذراً حتى الآن. لكن مصادر مطلعة في واشنطن تقول إن مجيء وزير الخارجية جون كيري غيَّر هذه الديناميكية قليلاً. كان كيري قال العام الماضي إن على واشنطن أن تسلح قوات المعارضة حين كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. وقال اري راتنر، وكان يعمل من قبل في وزارة الخارجية بإدارة الرئيس باراك أوباما وهو الآن باحث في مشروع ترومان للأمن القومي: «في كل مؤسسة تقريباً، يعتقد الناس أن على الولاياتالمتحدة أن تفعل المزيد». وأضاف: «المشكلة أنه لا أحد يستطيع الاتفاق على ما يجب القيام به، لأنه لا توجد خيارات سهلة». في نهاية المطاف، لا يعتقد كثيرون أن الإمدادات الطبية وأجهزة اللاسلكي والسترات الواقية من الرصاص أو حتى المركبات المصفحة رباعية الدفع ستغير دفة الحرب ضد الأسد بصورة كبيرة، كما لم تحرز الأسلحة التي تقدمها دول خليجية تقدماً كبيراً. وكانت مجلة «دير شبيغل» الالمانية وصحيفة «ذي غارديان» البريطانية، ذكرتا أن خبراء من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا يدربون مقاتلين معارضين في الأردن بمساعدة أجهزة الاستخبارات الأردنية بهدف تشكيل أكثر من عشر وحدات قوامها عشرة آلاف مقاتل في المجمل، لكنها تستبعد المقاتلين الإسلاميين المتشددين. وقلل مسؤولون أمنيون اوروبيون من أهمية هذه التقارير. وإلى جانب أن الأردن يئن تحت ضغط 300 ألف لاجئ سوري، فإنه يستطيع أن يرى صعود التشدد الإسلامي على أعتابه، وهو اكثر قلقاً من دول خليجية. وقال أحد منظمي التدريبات لمجلة «شبيغل»، إن «أجهزة الاستخبارات الأردنية تريد منع السلفيين من العبور من بلادهم إلى سورية ثم العودة لاحقاً لإثارة اضطرابات في الأردن نفسه». وقال البعض إن السماح للمعارضة السورية بأن تكون لديها أسلحة مضادة للدبابات يعتبر مجازفة محدودة نسبياً، خصوصاً الأنظمة القادرة على إلحاق أضرار بأسطول الدبابات السوفياتية العتيقة لجيش الأسد، لكنها أقل فاعلية ضد النماذج الأميركية أو الإسرائيلية الحديثة. لكن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قال العام الماضي إنه يفضل إمداد مقاتلي المعارضة بأسلحة مضادة للطائرات للدفاع عن «المناطق المحررة». وإذا كانت هذه الأسلحة هي أكثر ما يحتاجه مقاتلو المعارضة لصد قاذفات القنابل وطائرات الهليكوبتر الحربية لقوات الأسد، فإنها أيضاً أكثر ما يقلق واشنطن، التي تخشى من احتمال سقوطها في أيدي المتشددين الذين سيوجهونها لطائرات مدنية. ويعتقد أن مقاتلي المعارضة استولوا على بعضها من مخزونات القوات الحكومية، لكن ليست هناك رغبة تذكر في إمدادهم بالمزيد. وحتى الآن لم تصل أي دولة غربية إلى حد عرض تقديم أسلحة بشكل صريح. وفي الأسبوع الماضي حذر كيري ووزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، من أنه إذا واصل الأسد تشبثه بموقفه، فإن هناك خيارات أخرى تجري مناقشتها بالفعل. وقال مسؤول غربي آخر: «هذا أمر تجب مناقشته إذا نظرت إلى اتجاه سير الأحداث». وأضاف: «لا تجري مناقشة العمل العسكري المباشر بصورة مباشرة، لكنه يكون دائماً أمراً يمكن طرحه على الطاولة تحت ظروف معينة». ولا تزال ألمانيا القوة الأوروبية الرئيسية الأخرى المعارضة لتسليح مقاتلي المعارضة مباشرة. لكن وزير خارجيتها غيدو فسترفيله قال إن «من الضروري إظهار المزيد من المرونة وفهم أن علينا بالطبع أن ندعم المعارضة بطريقة مسؤولة». في نهاية المطاف، سيكون الصوت الحاسم هو صوت الرئيس باراك أوباما.