أثارت عمليات التحرش الجنسي في مصر كثيراً من الجدل والنقاش بين المختصين في الشأن الاجتماعي والنفسي والسياسي في بلدان الشرق الأوسط، التي تعصف بها عمليات التغيير المسماة «الربيع العربي». ففي الوقت الذي تركز التحرش الجنسي في الساحة المصرية، أخذت عمليات القتل العشوائي بعداً كبيراً في كل من العراق وسورية وليبيا والى حد ما اليمن، حيث لم يثبت فيها وجود ظاهرة حوادث التحرش أو الاغتصاب الجنسي على خلفية سياسية إلا باستثناءات قليلة، قياساً بما يحدث الآن من عمليات إرهاب منظمة ضد المرأة لمنعها تماماً من أن يكون لها دور اجتماعي أو سياسي، وهذه العمليات التي تجري في مصر مشابهة في أهدافها الترويعية لعمليات القتل الجماعي العشوائي التي تستهدف السكان، بصرف النظر عن انتماءاتهم وألوانهم وأعراقهم، فهي تهدف إلى زرع الخوف والرعب ومن ثم الاستكانة والعبودية، وهي بالذات الأهداف المتوخاة من عمليات التحرش والاغتصاب الجنسي المنظمة للنساء والفتيات في مصر ممن شاركن في التظاهرات والاحتجاجات. صحيح ان حالات من الاغتصاب الجنسي كانت حصلت هنا وهناك في بعض السجون العراقية والسورية وغيرها لأغراض التسقيط السياسي والاجتماعي، أو من أجل إجبار المعتقلين والمعتقلات على الاعتراف أو ترك العمل السياسي المعارض للنظام، إلا أنها كانت ضيقة ولم تكن ظاهرة منظمة كما يحصل في مصر، خصوصاً ضد النساء المعارضات لنهج الحاكمين الجدد في البلاد الذين يحاولون فرض نظام عقائدي على المجتمع والدولة المصرية. إن ما يجري في مصر غريب جداً عن طبيعة مجتمعاتها، وعن موقف المجتمع الرجالي من النساء، فمصر معروفة بتسامحها ومرونتها في علاقاتها الاجتماعية أكثر من كل البلدان العربية والإسلامية، الى درجة انها غدت نموذجاً وقدوة لكثير من المجتمعات في المنطقة. إنها فاشية جديدة ضد النساء كما هي فاشية التقتيل العشوائي للسكان، والغرض في الجريمتين هو فرض نمط معين من الحياة الاجتماعية والسياسية في ظل حكم ديكتاتوري تسوده العبودية والاستكانة والإذلال، وكسر شوكة أية معارضة أو تعبير عن رأي مختلف مع ما يريده الحاكم ليبيح وعّاظه وسدنته عمليات الاغتصاب والتقتيل، كما هو واضح من دعواتهم على شاشات التلفزة يومياً.