آلمها الوداع فبكت «مطراً» لفراق من تحب، أصبحت «خاوية» بعدما كانت «تدب بأوصالها الحياة»، استذكرت تلك اللحظات الخالدة وهي ترى آثارهم، بالأمس كانوا هنا يمشون، هناك كانوا يصعدون جبالها مكبرين، هناك كانوا يهبطون لبطن واديها مسبحين، هناك جلسوا وضحكاتهم تجلجل في سماء المكان، هناك انغمسوا في لحظات إيمانية وجباههم تقبل صعيدها ضارعين لربهم، هنا ناموا، هنا ارتاحوا، (وهنا...، وهنا...). زادت في بكاها وهي تستحضر استعداداتها، تزينت وتأنقت، وانتظرت بلهفة عاشقة قدوم أحبابها متحملة حر الصيف وبرد الشتاء والعواصف والأمطار، تعد الأيام والأشهر حتى وصلت إلى لحظة الفرح واتشحت ب «الأبيض» متبخترة بأحبابها الذين قدموا لها من كل صوب، وهي تحضنهم بمختلف أطيافهم، تستقبلهم بلا تمايز بين جنس أو لون أو عرق أو ثقافة أو لغة. أربكها غيابهم عنها بعد قدومهم بيوم وأفزعها أن لحظة الوداع حضرت قبل أن تنتهي مراسم الفرح، غير أنها استكانت حينما رأت لباسهم وزادهم عندها وانتظرت ب «قلق عاشق» و«لهفة صبٍ متيم» عودتهم ليظهروا فجر اليوم ليحيلوا انتظارها «عيداً» جعلها «تشرق» جذلانة. لم تغضب من قسوتهم عليها ولم تحزن لاتساخها باللون «الأحمر» لأنها بوجودهم كل الألوان «جمال»، «افترشوها» فلم تغضب بل أحبت تلك اللحظة، وعاشت يومين كأجمل عروس لكنها بدأت تفقد بعضهم، فيما البعض الآخر لا يزال معها فزفرت زفرة خوف ورجاء مدركة بحدسها أن «سيمفونية الفراق» قد عزفت وأن «قصة الرحيل» قد كتبت و«رواية الوداع» قد اكتملت، لكنها بقيت متعلقة ب «قشة البقاء» فلعلهم يبقون هذه المرة. استيقظت صباح أمس ورائحة «الفراق» تزكم أنفها وجالت ببصرها فوجدت أحبابها يرقبون السماء وهم بين «حامل لحقيبته» و«حازم لأغراضه»، ومسرعاً في خطاه يسابق الزمن كي يغادرها «قبل غروب الشمس» يحمل في يده «بضع حصيات» كانت قبل يومين «حلاوة في جوفها» لكنها اليوم «سهام في خاصرتها»، حاولت التجلد والحفاظ على كبريائها لكنها انهارت حين رحيلهم مطلقة العنان ل «دموع مطريّة»، وهي تردد «حتما ستعودون» وتتمتم «لابد أن تعودوا».