استعاد حزب «القوات اللبنانية» معاناته مع السلطة اللبنانية منذ انتهاء الحرب الاهلية في بداية التسعينات من القرن الماضي وخلال الحقبة السورية في لبنان، في احتفال حاشد ومؤثر أقامه امس، في مركز «بيال» في الذكرى الخامسة عشرة لحل الحزب، وفي حضور رئيس الهيئة التنفيذية للحزب سمير جعجع وزوجته النائب ستريدا جعجع وأعضاء كتلة نواب الحزب وقواتيين كثر جاؤوا للشهادة عن تعذيب تعرضوا له. قاعة «بيال» التي رفعت فيها قضبان السجن ومجسمات لقبضات مكبلة شكلت عنواناً اختاره القواتيون للحديث عن مناصرين اغتيلوا او ماتوا نتيجة التعذيب او سجنوا لمجرد انتمائهم الى الحزب. والاحتفال حضره الوزيران جان اوغاسبيان ونسيب لحود ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري والنواب مروان حمادة وأكرم شهيب وهنري حلو وفؤاد السعد وصولانج الجميل وغنوة جلول وعمار حوري ومنسق قوى 14 آذار فارس سعيد ورئيس حزب «الوطنيين الأحرار» دوري شمعون ونديم وسامي الجميل وشخصيات من قوى 14 آذار وقواتيون. وتوالت الشهادات من اشخاص تركت الحروب آثارها في اجسادهم وأرهقها التعذيب، افلام وثائقية تعيد قراءة الاحداث كما رآها القواتيون وعايشوها منذ تسليم القوات سلاح الحرب الى السلطة، شهادة للأب مارون عودة وتجربة انتقاله من «المقاومة» في القوات الى الكهنوت في الكنيسة، وشهادة لسافيو بركات وشهادة رنا بطرس خوند عن فقدان والدها بعد خطفه من منزله منذ 16 عاماً وشهادة طوني نديم عبدالنور عن والده الذي «استشهد في زمن السلم وليس الحرب»، وشهادة انطوانيت شاهين التي ابكت «الحكيم»، والتي كانت اعتقلت وتعرضت للتعذيب الذي ترك جسدها محروقاً وصارت ناشطة في هيئات حقوق الانسان، وشهادة المحامي ايلي لحود عن التحقيقات التعسفية التي كانت تجرى، وشهادة جيسي رمزي عيراني عن اغتيال زوجها، وشهادة ايلي كيروز الذي سجن وعذب واتهم في كلمته الاستخبارات اللبنانية والسورية في ذلك الحين ودان الرئيس السابق للجمهورية اميل لحود «وطبقته الامنية التي تجرد الانسان من انسانيته ونسي المنتمون اليها انهم بشر ومن الشعب»، كما دان «بعض القضاة الذين سخروا ضمائرهم وتجاهلوا انه لا يمكن اسكات صوت العدالة». الى جانب شهادات المسرحي ريمون جبارة ورسام الكاريكاتور بيار صادق وأنطوان شويري. التصفيق الذي ضجت به القاعة كان يرتفع حين يأتي الحديث عن البطريرك الماروني نصر الله صفير، اما الاستنكارات فكانت ترتفع حين التلميح الى «التفاهم» بين «حزب الله» و «التيار» (الوطني الحر). كلمة جعجع وسأل جعجع في كلمته: «بعد 15 عاماً والسؤال يضج في البال لماذا حزب «القوات» بالذات؟ لمَ حلّوه دون سواه؟ لأنه المقاومة الحقيقية وخط الدفاع الاول عن لبنان وشعبه. حلّوه لأنهم يعرفون أن القوات لا تتلون ولا تتبدل بحسب الظروف، بل تبقى كما هي، حرة في خياراتها وثابتة على مواقفها». واعتبر ان حل حزب «القوات» كان «عملياً حلاً للحياة السياسية برمتها، فكمّت الأفواه وصودر القرار وتحولت الحياة السياسية الى بعض مشاورات يجريها بعض السياسيين اللبنانيين مع بعض المسؤولين السوريين وكلنا يتذكر كيف تحولت المؤسسات الى خدمة النافذين على حساب اللبنانيين وكيف تحول القضاء الى اداة قمع والأجهزة الى براثن حادة لخدمة الوصاية وكيف كانت تستباح موارد الدولة وتوزع على النافذين وكيف عمّ الرعب وكيف كان ممنوعاً علينا حتى التعبير عن موقف صغير خارج حرم جامعة». وذكر ب «كيف كانت تجري المفاوضات في الشؤون اللبنانية على اراض غير لبنانية ومن دون وجود أي لبناني، وكيف تحول لبنان إلى مجوف بعيداً من مصالح الأقربين ولمصلحة الأبعدين، حتى انتفض التاريخ في العام 2005 وكسر كل القيود». وأضاف: «ما كانت تجهر به القوات قبل وبعد حلها بدأ يهمس به الكثيرون حتى بلغت كرة الثلج حداً عبر صدور ال1559 وبدأ مسلسل الارهاب والترهيب بدءاً من مروان حمادة ولم ينته باغتيال الرئيس رفيق الحريري لكن انتصرت ثورة الأرز وعادت الحياة الى لبنان، وعادت القوات الى حياتها كطائر الفينيق وكانت مكونة من سيدة شابة وبعض الرفاق الذين حافظوا على الشعلة حتى اوصلوها الى شاطئ الأمان، وعاد لبنان إلى لبنان». ورأى «ان اسوأ ما يقوم به انسان على ارض لبنان هو نكران مفاعيل ثورة الارز، ونظرة بين الامس واليوم تعطي فكرة عن ثورة الارز اقله بالنسبة الى حرياتنا، ها نحن مجتمعون هنا، وغيرنا مجتمع هناك، كل منا يغني على ليلاه، ولكن كلنا يغني»، وشدد على ان «اكبر وسام يعلق على صدور قيادات 14 آذار وجمهورها هم انهم مكنوا الآخرين حتى اخصامهم من حرياتهم. وهو انهم استرجعوا القرار اللبناني الحر من فم الاسد تحت ضربات التفجيرات والاغتيالات التي لم تنته، وأكبر وسام هو قيام المحكمة الدولية في مواجهة قوى اقليمية عاتية وللأسف بمواجهة قوى محلية لم تترك وسيلة لعرقلة المحكمة وما زالت، وأكبر وسام يعلق على صدور قادة ثورة الارز هو عودة الحياة الى المؤسسات الرسمية وأهمها رئاسة الجمهورية». وقال جعجع انه «اذا كانت ثورة الارز انجزت الكثير، فما زال امامنا الكثير، واذا جاز ان نسمي ما تحقق بثورة الارز 1 فنحن بأمس الحاجة الى ثورة الارز 2. فاستقلالنا ليس ناجزاً وسيادتنا منتقصة والقرار الاستراتيجي ما زال خارج المؤسسات والمئات لا يزال مصيرهم مجهولاً في السجون السورية واقتصادنا ما زال متباطئاً ومالية الدولية تقفز من عجز الى آخر والفساد لا يزال مستشرياً». وأعلن جعجع من منبره «ثورة الأرز 2 برنامجاً انتخابياً للقوات اللبنانية في انتخابات 2009 وتتضمن: التشديد على استقلال لبنان الناجز لترسيم حدود لبنان الكامل، وأن لا دولة الى جانب الدولة ونرفض الاعتراف بثنائية الدولة والسلاح، والتمسك بالقرارات 1559 1680 و 1701 للحفاظ على لبنان، والتمسك بالمحكمة الدولية وتسهيل تحقيقها، والابتعاد من سياسة المحاور الاقليمية والدولية مع الحرص على الانفتاح والتفاعل مع المحيط والعالم، وإيجاد حل لمشكلة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها طبقاً لما نصت عليه مقررات الحوار الوطني في عام 2006، واتخاذ كل التدابير الآيلة الى منع توطين الفلسطينيين في لبنان مع السعي المستمر لتحسين اوضاعهم المعيشية مع ما يتلاءم مع تراث لبنان الحضاري والانساني، ومع قيام العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسورية وبدء مسيرة التطبيع إعادة النظر في معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق التي اقرت بصورة قهرية وبعيداً من الندية وإلغاء المادة السادسة منها التي انشأت المجلس الاعلى وطرح موضوع المعتقلين في السجون السورية كبند أول على جدول اعمال اي مفاوضات لبنانية - سورية، والسعي الدؤوب الى حياة دستورية سوية بعيدة من الضغط والتهويل والتعطيل ومحاولات الغلبة، والسعي لعودة التوازن الفعلي الى مؤسسات الدولة واداراتها من خلال المناصفة السياسية في الحكم والمؤسسات الدستورية كما نص عليه اتقاق الطائف، وإعادة النظر في مرسوم التجنيس تبعاً لقرار مجلس الشورى والسعي الى اعادة الجنسية الى المغتربين المستوفين الشروط القانونية، وتحقيق اللامركزية الادارية والانمائية الموسعة وتأمين الاستقرار عبر تخفيف حدة الصراع على السلطة المركزية وتعزيز الإنماء المتوازن، وتعزيز مساهمة المرأة في المسؤوليات العامة ومشاركتها في الحياة السياسية». واذ لم يعد جعجع مناصريه ب «شيء محدد لأن ظروف بلادنا السياسية والعامة صعبة ومعقدة ولا يمكن التكهن بمسارها»، وعد ب «اننا لن نألو جهداً ولا دماً في سبيل تحقيق اكبر قدر ممكن من البرنامج»، ودعاهم الى ان «يكونوا ابطال ثورة الارز 2 في 7 حزيران المقبل. القرار قراركم، فكروا في اولادكم والمستقبل الذي فيه تحلمون، اذهبوا الى صناديق الاقتراع وانتخبوا 14 آذار». وخاطب جعجع المسيحيين قائلاً: «ان اقصى ما نتعرض له ليس محاولات التهميش الحقيقية او الوهمية لأن لا احد يستطيع تهميش احد، هو هذه البعثرة التي نعيشها بفعل التصرف المزاجي لبعض القيادات من دون وعي ولا ادراك ومن دون دراية او حسن تصرف ومنطق ومحاولة غشنا ودفعنا بعكس توجهاتنا الطبيعية والثوابت السياسية المسيحية التي خطها لنا الآباء والأجداد بتعبهم وعرقهم ودمائهم، وهو هذا المناخ المسموم والمحموم والمدمر الذي ينفث بيننا بسبب ومن دون سبب». وأضاف: «ايها المسيحيون اعرف انكم تتوقون الى الوحدة والى صوت يناديكم أن اتحدوا، لكن ما تطلبونه موجود بين ايديكم. انتم امامكم فرصة تاريخية في 7 حزيران المقبل، اذهبوا بكثافة واقترعوا لمن يمثلون ثوابتكم ولمن يستطيعون ان يتفاهموا ولو بالحد الادنى مع الآخرين ولا تقترعوا للذين لا يمكنهم التفاهم مع احد ولا التعايش مع احد ولا الانسجام مع احد وفي الوقت نفسه لا يحملون توجهاتكم التاريخية. ألقوا جانباً كل الاعتبارات الجانبية الشخصية وغيرها واقترعوا لمصلحة لبنان والاتزان والمنطق والاستقامة والجدية».