مثل فراشة تحب أن تتنقل بين الحقول بحثاً عن زهور ترتشف رحيقها، فعل صحافيون سعوديون فضّلوا الانتقال إلى خارج الحدود، بحثاً عمّا يشبع نهمهم لرحيق إعلام ربما لا يجدونه في بلدهم، فمنهم من ارتشف واستلذّ وبقي، ومنهم من لم يطل المكوث، فعاد من حيث أتى. ويبدو أن ظروف العمل المناسبة لم تكن حاضرة في قناة «فواصل» التي كانت تتخذ من الإمارات مقراً لها، الأمر الذي دفع الإعلامي أحمد الفهيد إلى وصف تجربته فيها ب«الفقيرة». ويقول المدير الحالي للقسم الرياضي في موقع «العربية نت»: «بعد أن تركت العمل في صحيفة «شمس» التي كنت أعمل فيها مسؤولاً لتحرير الشؤون الرياضية، انتظرت أن تتوافر فرصة عمل أخرى في السعودية، لكن من دون جدوى، فأتى الغوث من سعوديين في الإمارات، عرضوا عليّ العمل في قناة «فواصل» الفضائية مديراً للبرامج، فقبلت وذهبت إلى هناك على عجل، لأجد نفسي فجأة مقدم برامج، كما أن إدارة القناة لا تدفع الرواتب الشهرية بانتظام، في الوقت الذي تركت فيه وراء ظهري أمّاً وزوجة وأطفالاً، فقررت العودة إلى السعودية، بعد أن وجدت عملاً في إحدى الجامعات الأهلية، رئيساً لقسم العلاقات العامة فيها بنصف الراتب الشهري الذي كنت أتقاضاه، ويمكن القول إنني خرجت من تجربتي في الإمارات بخفي حنين، والغالب أنني خرجت بخف واحد وليس الاثنين». ويجد أن تجربته «المريرة والفقيرة» ليست مقياساً للحكم على البيئة الخارجية، إلا أنه لم يخف إمكان عودته مجدداً للإمارات في حال وجد فرصة مناسبة، نظراً إلى كونه يرى أن العمل الإعلامي في السعودية حالياً «يصيب بالمرض ويأكل الأعصاب، ويسلب الحياة الخاصة، ثم يرمي الإعلامي في حاوية النسيان، متى فرغ منه». وأشار إلى أن عمله في «فواصل» لا يعكس العمل داخل الإمارات بأكملها، باعتبار أن تلك المؤسسة - كما يقول - كانت ناشئة وغير محترفة، لافتاً إلى أن في المقابل هناك تجارب إعلامية سعودية كثيرة، انعشتها البيئة الإماراتية، وساعدتها وأسعدتها. ويضيف: «الفوضى، واحتقار الأنظمة، والقفز على البديهيات، وجدتها في القناة التي عملت بها، وهذه أمور لا تحدث غالباً في الإمارات، لكنها تحدث غالباً في السعودية، وبين الغالبين والقالبين، اخترت ألا أكون الخاسر الأكبر، فالخسارة على أرضك أهون أحياناً من الخسارة خارجها، على الأقل ستجد من يساويك في الهزيمة، ومن يواسيك عليها، فتلك التجربة كنت مكرهاً عليها، وحالياً لو أتيح لي أن أذهب إلى الإمارات سأذهب، ربما لأذوق طعم الكعكة الشهية التي يتحدث أصدقائي الإعلاميون عنها، فقد سئمت رز الصحافة السعودية». وقادت الرغبة في التغيير الكاتب الصحافي عبدالله ناصر العتيبي إلى العمل في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية من عام 2008 حتى 2010، فهو يتمسك بضرورة عدم البقاء في الوظيفة لمدة تزيد على أربعة أعوام، بحيث يتعلم في العام الأول، وفي الثاني يطبّق ما تعلّمه، والثالث يعمل على الابتكار، أما الرابع فتبدأ الإصابة بالملل. ويضيف: «أنا أراهن دائماً على العامين الثاني والثالث من العمل، وأبحث بعد الرابع عن تحديات جديدة، وعندما أتاني العرض من صحيفة «الاتحاد» للعمل فيها مشرفاً على تحرير ملحق دنيا الاتحاد، لم أتردد لحظة واحدة، لأنني محب للإمارات وأهلها، وأعرف أنهم يعتبرون السعوديين مواطنين من الدرجة الأولى، على رغم أن بيئة العمل الصحافي هناك لا تختلف كثيراً عمّا هي عليه هنا، فأجواء العمل الصحافي في دول الخليج العربي واحدة تقريباً، إذا ما استثنينا الكويت التي يجد فيها الصحافي حريّة أكبر للتعبير، وإن كانت الصحافة الإماراتية أكثر التزاماً بالشكل الفني من الصحافة السعودية، لكنها أقل دخولاً للمناطق المهمّشة والمظلمة للعمل الإعلامي». ويرى العتيبي أن البيئة الإعلامية المحلية في السعودية والإمارات، يُعتبر فيها الصحافي موظفاً شبه حكومي، ما يحدّ من تحرّر العمل الإعلامي من تقاليد الحكومة وقيودها. وحول اختياره العمل في الإمارات يقول: «كنت أبحث عن الراتب الجيّد، والبيئة المتنوعة والمزدهرة، وأسلوب الحياة الذي أفضّله بشكل عام، وأظن أن المال هو الذي يحرّك الكثيرين، مع عدم إغفال شهوة التجربة والبحث عن الذات وإثباتها خارج حدود الوطن»، مبيّناً أنه عاد إلى السعودية لأسباب عائلية، لكنه لا يزال يحمل للتجربة الخارجية ونتائجها حنيناً كبيراً على حد قوله.