مرت فترة كانوا يناقشون فيها «إنسانية» المرأة، وقالوا بأنها السبب في كل ما واجهه ويواجهه الرجل من بدء التاريخ حتى الآن، وأن وظيفتها الأولى غير محترمة، وأنها كائن مختلف يحتاج إلى تعامل خاص، وعندما وضعت جاين سويفت حاكمة ولاية ماساتشوستس الأمريكية بالوكالة توأمها على رأس العمل في سنة 2001 قامت قيامة الإعلام الامريكي، فكيف يمكن لشخص يشغل هذا المنصب أن يضع مولودا ويمارس الأمومة والسياسة في الوقت نفسه، وهل تقبل فحولة الجمهوريين في أمريكا أن يقوم الزوج بالأعمال المنزلية وتخرج المدام من البيت.. في التالي نقف على تجارب مجموعة من السعوديات عملن في الصحافة المحلية وسجلن في دفاترهن بعضا مما يجري في كواليسها: • «عكاظ»: هل للصحافية السعودية تاريخ يمكن الرجوع إليه؟ ناهد باشطح: لدينا تاريخ صحافي جيد ورائدات لكن من يوثق، وقد بدأت منتصف نوفمبر 2005 مشروعا في إصدارين يهتم بتوثيق ريادة المرأة السعودية في الإعلام، وعملت مع فريق قام بحصر كل الإعلاميات المعروفات في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون، واستعنا بالمعاجم والمصادر التي أرخت في مجملها أو في جزء منها للرعيل الأول منهن، وقمنا بإجراء اتصالات هاتفية ومراسلات إلكترونية بمن لهن علاقة بهذا الجيل، واستثمرنا المعارف والعلاقات المهنية، ونشرنا إعلانات في الصحافة، وقد نجحنا نسبيا في ضم مجموعة لا بأس بها ممن التحقن بالإعلام من فترة الخمسينيات الميلادية، وفي تسجيل شهادات شخصية مباشرة منهن، أو في بعض الحالات استفدنا من الأقارب في جمع المعلومات عنهن، وقمنا بتقسيم الإصدار إلى عقود ثلاثة تبدأ من الخمسينيات على اعتبار أن أول دخول للمرأة السعودية في الإعلام كان على يد لطيفة الخطيب في الصحافة المكتوبة عام 1951م، وإن كانت أسماء زعزوع قد مارست الإذاعة قبل ذلك، وتحديدا في سنة 1949م، ولكن في الهند وليس في المملكة، ومن ثم فترة الستينيات والسبعينيات إلى سنة 1985، وفي هذه الحقبة دخلت المرأة السعودية بشكل بارز إلى عالم الصحافة من بوابة الكتابة، وكانت الفكرة أن نقوم بكتابة الإصدار الآخر عن الفترة ما بين منتصف الثمانينيات وحتى 2010، وفي هذه الفترة كان اهتمام المؤسسات الصحافية بتفريغ الصحافيات للعمل الصحافي، وتأسيس أقسام صحافية نسائية، وهذا لم يكن موجودا في السابق، أما بالنسبة لمعايير الإصدارين، فقد عقدت لجنة استشارية من كبار المثقفات والأكاديميات والإعلاميات لإجازتها، والموافقة على ما استندت إليه في اختياراتها لأوائل الإعلاميات في الصحافة والإذاعة والتلفزيون، أو الكاتبات والشاعرات والقاصات والروائيات ممن كان لهن كتابات في الصحف أو المجلات، وفي الإصدارين توثيق لمسيرة نصف قرن من تاريخ المرأة في الصحافة وتكريم لها، ووقوف على البدايات والمحطات المهمة لكل رائدة، وقد واجهتنا مشكلة في بعض المؤسسات الصحافية التي لم ترتبط بعقود مع الصحافيات، فلم نستطع حصر من كن يعملن لديها، والإصدار الأول خرج إلى النور والثاني في طريقه للنشر. • «عكاظ»: ماذا قدمت الصحافة السعودية للصحافيات؟ ناهد باشطح: أعتقد أن الفرص موجودة، ولكنها ليست متساوية بين الجنسين، وأجزم أن نسبة كبيرة من أصحاب القرار في المؤسسات الصحافية لا يؤمنون بدور المرأة في الصحافة، وربما وضعوها في الواجهة أحيانا لذر الرماد في العيون وتحييد الانتقادات التي قد توجه إليهم، وأستطيع أن أقول استنادا إلى تجربتي في الصحافة طوال عشرين عاما، إن الصحافية حتى تصل وتثبت وجودها تحتاج إلى رجل مساند على طول الخط، وبالذات داخل بيتها ومن عائلتها، وممارستي للصحافة كانت نخبوية لأني في الأصل كاتبة، ولم أداوم في مؤسسة صحافية أو أقوم بالتغطيات الصحافية إلا في حدود ضيقة، بل ولم يكن لدي طموح صحافي، خصوصا أن معظم رؤساء التحرير لدينا تقليديون في نظرتهم للمرأة. مرام مكاوي: عملت صحافية متدربة في جريدة سعودية تصدر باللغة الإنجليزية، ووجدت كل الدعم من الزملاء، السعوديين وغيرهم، وبعضهم كان يحرص على إعطائي مسؤوليات أكبر، ولكن المطب هو أن بعض الجهات التي كنت أتصل بها لم تتعامل معي بجدية أو تحترم ما أطرحه عليها، وأعتقد أن كوني امرأة لعب دورا، والمعاناة الأكبر للموظفة السعودية بشكل عام، سواء في البنك أو الإعلام او الجامعات أو غيرها، أنها تعمل في «أقسام نسائية» وليس في يدها سلطات حقيقية، ويستطيع أصغر موظف رجل أن يتحكم أو يتدخل في عمل دكتورة ومديرة قسم نسائي، وأذكر أن صحافية سعودية معروفة تركت العمل في صحيفتها، وانتقلت لصحيفة أخرى تستطيع فيها الكلام بدون حواجز مع رئيسها المباشر. سمر الموسى: المشكلة في وجود أزمة ثقة بين الصحافية ومسؤول التحرير، فالعرف السائد بين أهل الصحافة أن وجودها مؤقت، وبالتالي فلا حاجة لتدريبها أو تطوير قدراتها، أو تعريفها بأنظمة المؤسسة وما لها وما عليها، والصحافية في الغالب لا تلتزم بعقد عمل مع المؤسسة الصحافية التي تعمل فيها، وبالنسبة لي وصلتني ورقة موقعة من رئيس التحرير قي صحيفة عملت معها سابقا، كتب فيها أني متعاونة دون ذكر أي تفصيلات أخرى، كما أن البطاقة أو حتى التعريف ليسا من حق الصحافية، وهنا تضيع الحقوق الأدبية والمادية والتقدير المعنوي، وقد كانت علاقتي بما أكتب تتوقف عند إرسال المادة دون أن أتمكن من متابعتها أو أعرف ما تغير فيها، خصوصا أنها تحمل اسمي وأتحمل مسؤوليتها، وأحيانا يجير مجهود الصحافية وينشر باسم زميل رجل تثق فيه الصحيفة وتدعمه، ونادرا ما تعطى الصحافية الفرصة في نشر حدث أو خبر مهم، والصحافية السعودية، إضافة لما سبق، تعاني من بنات جنسها والحزازات المتوارثة بينهن، وعدم وجود تقدير أو مشاركة فعلية لها في العمل، وغياب الثقة الاجتماعية والقانون الذي يحميها من المضايقات والتحرش. رزان بكر: للأمانة، وجدت كل الدعم من زميلاتي وزملائي في الصحيفة، وكثيرا ما كنت ألجأ للزملاء الرجال لاستشارتهم في المواضيع الرياضية، أو عندما أعمل على ملحق رياضي خاص ببطولة معينة، وقد وجدت المساندة من زملاء صحافيين في أكثر من جهة إعلامية، والصحيفة نفسها لم تتأخر في إرسالي لحضور الأحداث الرياضية، بحكم التخصص، في أي بلد، ولكن وكما قال لي أحد الزملاء الإعلاميين، لا يجب أن ننتظر دائما من الجهة التي نعمل لحسابها أن ترسلنا للتغطية، ويفترض أن نبادر ونذهب حتى ولو على حسابنا الخاص أو في إجازتنا السنوية، إذا أردنا أن نطور أنفسنا؛ لأنه اسثمار رابح في النهاية، والفرص لا تتكرر دائما، وكلمة «لو» بصراحة «تطير العقل»، ولا أحب أن أترك لها مجالا في حياتي، ثم إني لن أكون منصفة في حق المرأة لاختلاف وضع صحيفتي التي تصدر باللغة الإنجليزية ويتفوق فيها عدد النساء على الرجال، وأيضا طبيعة المجال الذي أهتم بموضوعاته، وأقصد هنا المجال «الرياضي»، ويبقى أن النسبة والتناسب مفقودان في المشهد الإعلامي المحلي، والمضايقات من الصحافيين الرجال موجودة، وللأسف ما زالت نسبة كبيرة من المجتمع الصحافي المحلي تعتبر أن من تنتسب إلى الإعلام ترغب في التحرر والانقلاب على العادات والتقاليد، ولا تعاملها كزميلة في العمل لها رؤية مشابهة وأهداف لا تختلف عن أهداف الصحافي الرجل. لولوه شلهوب: في بداياتي الصحافية سنة 2004 كان الكثير ممن أقابلهم في العمل الميداني يقول لي: «لم نكن نعلم بوجود صحافيات سعوديات»، والعبارة اختفت تقريبا في السنوات الأخيرة، والصحيفة التي أعمل لمصلحتها لم تبخل علي أبدا، وعملت فيها أربع سنوات كصحافية وبدوام كامل، وما زالت أعمل كمتعاونة، وقد ابتعثت على حسابها مع زميلة أخرى لآخذ دورة مكثفة في الصحافة بأنواعها في «مدرسة لندن للصحافة»، ومن التجارب الصحافية المهمة مشاركتي مع الزميلة رزان بكر في تغطية الألعاب الآسيوية في الدوحة عام 2006م، فلم يكن مألوفا، في تلك الأيام، مشاركة الصحافية السعودية في التغطيات الرياضية، ولكن خالد المعينا رئيس تحرير «عرب نيوز» كان واثقا من قدرتنا على التغطية، وأذكر استغراب الوفد السعودي، ولدرجة أن أحد المسؤولين في اللجنة الأولمبية السعودية لم يستوعب انضمامنا للباص الذي استقبل الوفد في الدوحة، وقال «هذا الباص خاص بالوفد السعودي»، فأخبرناه بأننا مع الوفد، وأود أن أشير إلى أن سلوك الصحافية في التعامل مع المسؤولين من الرجال هو الذي يفرض طريقة تعاملهم معها، كذلك تجربة العمل في صحيفة «الإندبندنت» و«بي بي سي» العربية، وفي رأيي، فإن العمل في أجواء صحافية متنوعة يزيد من فهم وخبرة الصحافي، ويعزز من قدرته على التفكير من خارج الصندوق، ويبقى أن العديد من الصحافيات «غير مثبتات»، والمعنى أنهن لا يتقاضين راتب الصحافي بدوام كامل، مع أنهن يعملن بنظام الدوام الكامل، ولا أجد تقسيرا لهذه المسألة، أو الخلل الموجود في عقود الصحافيات وضياع حقوقهن. • «عكاظ»: ما هو أرفع منصب صحافي يمكن أن تصل إليه المرأة في المملكة؟ ناهد باشطح: الدكتورة خيرية السقاف وصلت لمنصب مديرة تحرير، ولكن السؤال هل مارست فعلا مهام مدير التحرير في مجالات التحرير والإدارة، وفي المجلات هناك أكثر من رئيسة تحرير. سمر الموسى: هناك ابتهاج منياوي ومنال الشريف في منطقة مكةالمكرمة في باب الإشراف على القسم النسائي، ومعهما هالة الناصر رئيسة تحرير «مجلة روتانا» ومنى المنجومي في «الحياة» وإيمان العقيل في «مجلة حياة» وسلوى المدني في «شمس»، والأخيرة يغار منها الزملاء لنشاطها في العمل. لولوه شلهوب: الزميلة سمية الجبرتي وصلت إلى منصب المحررة التنفيذية في «عرب نيوز»، وهو المنصب الذي يلي رئيس التحرير مباشرة، ومها عقيل أسست وأدارت تحرير مطبوعة «ذي جورنال» التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. • «عكاظ»: كيف تتعامل الصحافة السعودية مع القلم النسائي؟ مرام مكاوي: لاحظت أن التواصل مع الكاتبة أضعف من الكاتب، والأمر لا يخلو من تبريرات يمكن إدراجها في خانة «الحرج الاجتماعي»، والقلم النسائي السعودي بعيد نسبيا عن الشأن السياسي الدولي، وأيضا الإعلام السعودي عموما ليس لديه محللات في السياسة، وفي بداياتي كنت مهتمة جدا بالسياسة قراءة ومتابعة، وكتبت موضوعات تحليلية لما كان يطبخ في العراق أيامها، والكثير مما توقعته حصل، والمفاجأة أن المقالات المذكورة لم تنشر، وأبلغت بأن التركيز على الشأن المحلي أفضل، لأن القارئ المحلي يهتم به، على الرغم من أن الصحافة المحلية تنشر باستمرار مقالات وتحليلات سياسية سطحية وغير دقيقة لأقلام رجالية، ولا أدري هل هو عدم ثقة بقدرة المرأة على فهم السياسة، والقضية نفسها تشمل الاقتصاد، فلم أقرأ مقالات اقتصادية بحته بقلم كاتبة سعودية إلا لناهد طاهر، والاحتمال وارد بأن يكون الخلل في المرأة نفسها، وتسليمها بأن هذه الموضوعات من اختصاص الرجال، كما أن القارئ لا يتعامل بنفس الطريقة مع الكاتبة، فهو يتجاوز عليها عندما تطرح رأيا، ولا يفعل ذلك وبالحدة ذاتها مع الكاتب، ويكون التجاوز عليها غالبا في موضوعات المرأة، وقد تابعت تعليقات على موضوع واحد طرحته، وطرحه مرة أخرى زميل لي في الصحيفة، ووجدت أن التعليقات على مقالي كانت جافة ومتشنجة، كما أن المسؤولين لا يحتفون بالكاتبة مثلما يفعلون مع الكاتب، أو هكذا نشعر. • «عكاظ»: هل تستطيع الصحافية السعودية مقابلة مصادرها الإخبارية وجها لوجه؟ لولوه شلهوب: أكثر المقابلات التي أجريتها كانت هاتفية، أو قد يرفض الشخص المقابلة المباشرة؛ لأن من سيقابله امرأة، وقد نشرت لي مقابلات جريئة حصلت عليها من مصادرها وجها لوجه، من بينها مقابلات مع لقطاء في مستشفيات حكومية في جدة، ومع مريض مصاب بالإيدز متزوج من امرأة سليمة، ومع شاب في العشرينيات قام بإجراء عملية تصحيح جنس، ومع أشخاص تعرضوا للعنف الأسري وهكذا، وهذا النوع من المقابلات لا يتكرر في حياة الصحافية السعودية، ويوفر دورسا مفيدة في فن المقابلة الصحافية.