جمعية ترميم توقّع اتفاقية ب 35 مليون ريال لتنفيذ مشاريع تنموية بمنطقة مكة المكرمة    مؤشر الأسهم اليابانية يسجل أفضل أداء أسبوعي في 3 أشهر    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    تشكيل النصر المتوقع أمام القادسية    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام الفتح    مبادرة "نبض إنسان" تواصل جهودها التوعوية    "الزكاة والضريبة والجمارك" في منفذ البطحاء تحبط محاولة تهريب أكثر من 11 كيلوغرام من "الشبو"    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    أمطار رعدية على اجزاء من مناطق الرياض ومكة وعسير    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    مرصد حقوقي: المجاعة وشيكة في غزة ومليون طفل يعانون سوء تغذية حاد    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    توتنهام يتغلب على أينتراخت فرانكفورت    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    النفط يسجل زيادة بأكثر من 3 بالمئة    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    ممتاز الطائرة : الأهلي يواجه الاتحاد .. والابتسام يستضيف الهلال    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    «تنمية رأس المال البشري».. تمكين المواطن وتعزيز مهاراته    تقاطعات السرديات المحلية والتأثيرات العالمية    فرح أنطون والقراءة العلمانية للدين    الغزواني يقود منتخب جازان للفوز بالمركز الأول في ماراثون كأس المدير العام للمناطق    الاستمرار في السكوت    نائب وزير الخارجية يستقبل وكيل وزارة الخارجية الإيرانية    انطلاق مهرجان أفلام السعودية في نسخته ال11 بمركز إثراء    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    أمير القصيم يستقبل مدير فرع الشؤون الإسلامية    عبدالعزيز المغترف رئيساً للجنة الوطنية لمصانع الابواب والألمنيوم في اتحاد الغرف السعودية    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    نائب أمير جازان يرأس الاجتماع الرابع للجنة الإشرافية للأمن السيبراني    نائب أمير منطقة جازان يطّلع على تقرير "الميز التنافسية" للمنطقة لعام 2024    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    تخريج الدفعة ال22 من طلاب "كاساو" برعاية نائب وزير الحرس الوطني    جامعة الإمام عبدالرحمن وتحفيظ الشرقية يوقعان مذكرة تفاهم    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    وفاة محمد الفايز.. أول وزير للخدمة المدنية    سجن مواطن لترويجه إعلانات "حج وهمية"    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    الأمير سعود بن جلوي يرأس اجتماع المجلس المحلي لتنمية وتطوير جدة    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    أنور يعقد قرانه    إحباط تهريب 147 كجم من الشبو وضبط مستقبليها    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    حرب الرسوم الجمركية تهدد بتباطؤ الاقتصاد العالمي    مؤسسة تطوير دارين وتاروت تعقد اجتماعها الثاني    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    رُهاب الكُتب    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة في خطاب ابن رشد .. الحلقة الثانية والآخيرة
نشر في شبرقة يوم 24 - 05 - 2009

ذهب ابن رشد إلى أن منطق العقل ومنطق الحس الإنساني المشترك يفيدان بأن المرأة مساوية للرجل في النوع والطبع، ويفترض أن تساويه وتشترك معه في كل الأعمال وفق مبدأ الكفاءة الفردية. الاختلافات بين الجنسين في المظاهر والوظائف الفزيولوجية والبيولوجية هي نسبية وإيجابية في الوقت نفسه وتكاملها هو الذي يفضي بالأعمال التي يشتركان فيها إلى \"مرتبة الكمال\". صناعات الألحان والحرب والاشتغال بالفلسفة وبالسياسة والرئاسة لا تخضع لاعتبارات الجنس. ومنع بعض المجتمعات للمرأة عن فعل أوعمل ما لا يعني أنه \"ممتنع\" عليها من حيث الفطرة أو الجبلة والاستعداد والارادة والقدرة، بل يعني أنه \"ممنوع\" أي أنه حكم شاذ من جهة وغير عادل من جهة أخرى، وبالتالي فلا يقاس عليه ولا يعتد به لحظة البحث الجاد في القضايا.
ابن رشد لا يستحضر المرجعية الدينية مباشرة لتبرير أطروحته التي يدعمها الخطاب المعرفي وتجربة الحياة المتحققة في بعض المجتمعات البشرية.
لا يستحضر هذه المرجعية لأنه قد كتب الكثير من قبل حول علاقات الاتصال بين الحكمة والشريعة، أي بين منطق العقل البرهاني التجريبي ومنطق الدين أو الشريعة الإلهية. فهو يعي جيداً أن في القرآن الكريم آيات كثيرات تدل دلالة صريحة قطعية على أن مفاهيم الإنسان، الناس، الإنس، البشر، بني آدم.. تشمل \"النوع الإنساني\" من دون تمييز بين مذكر ومؤنث.
كما لا يخفى على فقيه وقاض مثله أن انقسام البشر، وكل الكائنات، إلى ذكر وأنثى هو علة استمرار النوع، وبالتالي فإن معايير الإيمان والصلاح والتقوى ومعاني التكريم والتفضيل والاستخلاف وحسن الخلق والتقويم والتصوير في القرآن ذاته لا تفرق بين أفراد المجتمع المسلم لا بحسب الجنس ولا بحسب العرق أو اللسان أو الرتبة الاجتماعية. هذه إذن بدهيات أو مسلمات يقرها منطق العقل ومنطق الشرع، والتذكير بها غير ضروري لأنها يفترض أن تكون من قبيل \"تحصيل الحاصل\" في الوعي الإسلامي العام، وبالأخص في وعي النخب الثقافية التي تنتج الثقافة العارفة وتدير علاقات المجتمع.
ما الذي حدث إذن لتغيب، أو تغيّب، بدهيات كهذه، وماذا نتج عن هذا كله في الواقع اليومي للأسرة والمجتمع والدولة؟
اقرأوا جيداً ابن رشد وهو يصف واقع الحال الكئيب في عصره بقوله: \".. وإنما زالت كفاية النساء في هذه المدن لأنهن اتخذن للنسل وللقيام بأزواجهن، وكذا للإنجاب والرضاعة والتربية، فكان ذلك مبطلاً لأفعالهن (الأخرى) ولما لم تكن النساء في هذه المدن مهيئات على نحو من الفضائل الإنسانية، كان الغالب عليهن فيها أن يشبهن الأعشاب أو (النباتات). ولكونهن حملاً ثقيلاً على الرجال صرن سبباً من أسباب فقر هذه المدن. وبالرغم من أن الأحياء منهن فيها ضعف عدد الرجال، فإنهن لا يقمن بجلائل الأعمال الضرورية، وإنما ينتدبن في الغالب لأقل الأعمال، كما في صناعة الغزل والنسيج، عندما تدعو الحاجة إلى الأموال بسبب الانفاق، وهذا كله بيّن بنفسه\" (ص 387- 388).
حينما تخضع المرأة لثقافة الحجءر والقهر لابد أن تزول عنها الكفايات والفضائل التي هي ميسرة لها في الأصل لكنها لا تكتسب وتنمى وتبرز إلا بفضل تجربتي التعلم والعمل. مفهوم \"النسل\" هنا ينحصر معناه في الحفاظ على السلالة أو الأسرة التي تزداد مكانة كلما كثر \"رجالها\" وقلت نساؤها. والقيام بواجب الزوج السيد لن يتعدى معناه في سياق كهذا عملية اشباع شهواته وخدمته كما لو أن المرأة تحولت إلى نوع آخر من الرقيق (بل إن الحرائر كن أحياناً يتمنين وضعيات الإماء والجواري الأكثر حرية منهن كما أشار إليه غير باحث!). ومفاهيم الإنجاب والرضاعة ستأخذ معنى الولادة والرعاية الأولية التي لا تميز الإنسان كثيراً عن علم الحيوان الذي ينجب ويرضع ويرعى صغاره هو أيضاً. حتى مفهوم \"التربية\" لن يكون له معنى جدي هنا لأن المرأة المحرومة من الكفايات والفضائل العليا لا يمكن أن تربي ابناءها على قيم ومبادئ وخصال هي محرومة منها. جل ما تستطيعه امرأة كهذه هو أن تربي البنت على الخضوع والاستلاب فتكون صورة مكررة لها، والابن على احتقار المرأة والتعالي الأجوف على \"جنس النساء\" مثله مثل أبيه وعمه وخاله، وهكذا تتكرر دور البؤس من جيل لجيل.
ثقافة الحجر والقهر عادة ما تزين لذاتها أفكارها وقيمها وعلاقاتها لتتوهم وتصدق أنها الأفضل والأجمل والأكمل، لكن الواقع لا يلبث أن يكذب الأفكار المغلوطة والقيم المزيفة والعلاقات المتوحشة الظالمة. ابن رشد يبين، واصفاً غير مؤول، كيف يتحول أكثر من نصف المجتمع إلى كائنات كالنبات أو الأعشاب، أي إلى منزلة الشيء الفطري الذي لا روح فيه ولا حس له. والأخطر من هذا أن تتحول هذه الأغلبية المغلوبة على أمرها إلى سبب من أسباب. فقر الأسرة وفقر المدينة وفقر الدولة. لماذا؟.. ببساطة شديدة لأن الثقافة الذكورية السائدة تفضل ألا تعمل المرأة (تبقى ساكنة في قعر بيتها كما يقول الغزالي). أما حينما يضطر الرجال إلى السماح لها بالعمل تحت وطأة الحاجة فلا تنتدب إلا لأقل الأعمال جهداً أو مرتبة وأقلها منفعة أو مردودية، لأن جليل الأعمال مقصور على الرجال ولأن المرأة في واقع كهذا لن تكون مؤهلة لأعمال جليلة كهذه.
ثقافة الجهل تولد ثقافة الحجءر، وهذه لابد أن تفضي إلى المزيد من الفقر الفكري والقيمي والمادي الذي يدفع المجتمع كله تبعاته الباهظة ضعفاً في وعي الفرد وفي بنية الأسرة وفي بنية المدينة أو الدولة لا نعرف أحداً قبل ابن رشد ربط بين وضعيات المرأة المتردية وبين ظاهرة الفقر التي تبدو هنا نتيجة منطقية حتمية لثقافة مجتمع تتخطف رجاله حروب الخارج وصراعات الداخل حول السلطة، ومن توفرهم هذه الحروب العبثية أو المشروعة يصبحون أقلية تعمل فيما الأغلبية تظل طاقات معطلة مهدرة باسم قيم وأفكار ومعايير لا أثر فيها لمنطق العقل أو لمنطق العدل!.
حينما ننفصل عن خطاب ابن رشد لنتصل بواقع ثقافتنا وحياتنا اليوم نستطيع تحديد اشكالية المرأة ضمن اطار اشكالية حضارية عامة طرحت في الماضي ولاشك انها تواجهنا الآن بصورة أكثر حدة وخطورة من قبل. فالدراسات المتخصصة، وتقارير الهيئات المحلية والقومية والدولية، واخبار الاعلاميات وصورها تكاد تجمع على ما يلي:
أولاً: أن مجتمعاتنا العربية تعاني ثقافة التسلط والاستبداد التي قد يكون للنظم السياسية ولقوى الهيمنة الاجنبية دور في تكريسها، لكن المؤكد ان أسبابها العميقة متجذرة في موروثنا الثقافي الرسمي والشعبي. الثقافة الذكورية الجاهلة الظالمة تشتغل في علاقات الأسرة التي هي صورة مصغرة لعلاقات مجتمع المدينة أو الدولة، ومقولة \"كما تكونون يولّ عليكم\" تعمل هنا كالقانون مثلها مثل مقولة \"لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم\".
ثانياً: أن ثقافة الحجر والقهر التي تعمم في المنزل وخارجه هي سبب أساسي من أسباب زوال الكفايات وضعف الفضائل في المرأة والرجل والأبناء. ثقافة كهذه لابد أن تنتج البؤس الفكري والاخلاقي والمادي الذي قد تدفع النساء والفئات المحرومة ثمنه شقاءً يومياً حاداً لكن المجتمع والدولة يدفعان الثمن الفادح ضعفاً وتخلفاً وتبعية للغير، بل قابلية للهيمنة المباشرة أو غير المباشرة.
ثالثاً: إن خطر ما تواجهه مجتمعاتنا من تبعات تلك الثقافة يتمثل في عمليات تبرير الواقع وتسويغ معطياته من منظور ديني يجعل عمليات الاصلاح والتطوير والتحديث تبدو خطراً يهدد خصوصياتنا ومظاهر أصالتنا. هذه الوضعية هي الأخطر لأن أغلبية الناس التي تعاني وطأة التخلف والضعف تقاوم وترفض وترفض عمليات الاصلاح التي هي في أمس الحاجة اليها. الوعي المحاصر لابد أن يولد اشكالاً من العقد والاعتلالات الذهنية والسلوكية، وهكذا يمكن للانسان ان يتبنى المزيد من الأفكار والقيم التي تعمل ضد إنسانيته وضد مصالحه وما نزعات التطرف والعنف الجنوني سوى بعض الثمرات المرة لوعي شقي كهذا.
بعد هذا لا أدري ماذا سيقال ويقرر ويفعل خلال وبعد ملتقى المدينة المخصص لقضايا المرأة في مجتمعنا الوطني. الذي أعلمه حق العلم أننا فرطنا في الكثير من الفرص وراكمنا العديد من المشكلات في هذا المجال ولا غرابة بالتالي أن تكون وضعيات المرأة عندنا ابرز عنوانات أزمتنا الاجتماعية الثقافية. فسواء قورنت أحوالها بما كان موجوداً في مجتمعاتنا التقليدية أو بما هو حاصل ماثل في المجتمعات العربية المسلمة القريبة أو البعيدة فإن هذه الوضعيات تظل الأسوأ والأخطر على راهننا ومستقبل أجيالنا. الدرس الأهم في الخطاب الرشدي العظيم هو اننا، أما أن نحترم منطق العقل ومنطق العلم ومنطق العدل وإلا فلن نقول أو نفعل شيئاً لا في هذا المجال ولا في غيره. نعم لابد من استصحاب منجزات الفكر الحديث والعلوم الحديثة ومنظومات القيم والحقوق الحديثة لتجاوز الاشكاليات التي ولدتها بعض خطاباتنا الثقافية التقليدية ومن المؤكد أنها لن تعين أحداً على الوعي بها فضلاً عن العمل على تجاوزها. انتبهوا.. فكر التوحش يهدد إنسانية الذات الإنسانية في المرأة والرجل والله المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.