نتيجة الانفتاح الكبير لاقتصادات المنطقة على الاقتصاد العالمي، إضافة إلى انفتاح معظم أسواق المال في المنطقة على الاستثمار الأجنبي، برز ارتباط بين أسواق المال في المنطقة والأسواق العالمية خلال أزمة المال العالمية والتي بدأت تأثيراتها السلبية تضغط على المنطقة اعتباراً من الثلث الأخير من 2008. واستمر الارتباط مع تفاقم أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو وأزمة المصارف الأوروبية وخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة. وتعززت بذلك سيطرة سيولة الاستثمار الفردي وسيولة المضاربين على حركة معظم أسواق المنطقة فأصبح الاستثمار يتابع تحركات الأسواق الأوروبية والأسواق الأميركية، وبناء على هذه التحركات، يتخذ قراراته الاستثمارية في أسواق المنطقة، من دون الالتفات إلى الأساسيات الاقتصادية والمالية والاستثمارية المحلية. ويلفت النظر خصوصاً الارتباط القوي بين أسواق المنطقة والأسواق العالمية عندما تتعرض الأسواق العالمية إلى موجات هبوط وتراجع، وانحسار هذا الارتباط عندما تصعد مؤشرات الأسواق العالمية. وتعتبَر الأسواق العالمية أكثر كفاءة ونضجاً نتيجة سيطرة الاستثمار المؤسسي على حركتها ولعبه دوراً مهماً في حركة مؤشراتها، في مقابل ضعف الاستثمار الفردي، وهكذا غطت معظم مؤشرات الأسواق العالمية كل الخسائر التي تعرضت لها خلال الأزمة وحققت مكاسب إضافية متفاوتة، فبلغت مكاسب مؤشر «داو جونز» الأميركي بين 30 حزيران (يونيو) 2008، أي قبل بداية التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية، وأول من أمس، 24 في المئة، ومكاسب «مؤشر ستاندرد أند بورز» الأميركي 19 في المئة. وربح مؤشر «داكس» الألماني 23 في المئة ومؤشر «فاينانشيال تايمز» البريطاني 13 في المئة. في المقابل خسر مؤشر سوق دبي المالية خلال الفترة ذاتها بواقع 66 في المئة على رغم المكاسب الكبيرة التي حققها العام الماضي وهذا العام، وتراجع مؤشر سوق أبو ظبي 39 في المئة، ومؤشر سوق الكويت 58 في المئة، ومؤشر السوق السعودية 26 في المئة. وجاءت الخسائر على رغم تحسن أداء معظم القطاعات الاقتصادية في المنطقة، خصوصاً في دول الخليج، نتيجة استمرار تحسن أسعار النفط ونمو ربحية الشركات المدرجة وتوزيعاتها النقدية على مساهميها والتي ساهمت في ارتفاع مستوى ثقة المستثمرين باعتبارها تعكس قوة الملاءة المالية للشركات وقوة تدفقاتها النقدية في ظل ظروف شح السيولة وتشدد المصارف في المنطقة في منح القروض والتسليفات. هذه العوامل الإيجابية أدت إلى تركيز المستثمرين والمضاربين في معظم أسواق المنطقة على العوامل والأساسيات المحلية وعدم الالتفات إلى العوامل الخارجية، وفي مقدمها تحركات الأسواق العالمية. لذلك حقق معظم أسواق المنطقة مكاسب جيدة هذا العام بالإضافة إلى المكاسب المتميزة التي حققها معظم أسواق المنطقة العام الماضي، وما زالت موجة التفاؤل تسيطر على قرارات المستثمرين والمضاربين في المنطقة، على رغم التصحيحات الموقتة التي تتعرض لها الأسواق. ومصدر التفاؤل توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام في ظل قوة الإنفاق الحكومي، إضافة إلى توقعات استمرار انتعاش العديد من القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمها قطاع العقارات، واستمرار ارتفاع أسعار النفط وتأثيره الإيجابي في مستوى الإنفاق الحكومي ومساهمته في تعزيز قيمة الودائع لدى المصارف، إضافة إلى توقعات نمو القروض والتسليفات التي تقدمها المصارف إلى القطاع الخاص والتأثير الإيجابي لهذا النمو في أداء العديد من القطاعات الاقتصادية. وهكذا يتوقَّع أن تساهم هذه المؤشرات والأساسيات المالية والاقتصادية في تعزيز أداء الأسواق وإقبال المستثمرين على الشراء في ظل تراجع الأخطار، مع الأخذ في الاعتبار أن التراجع الكبير في أسعار الفائدة على الودائع بالدولار والعملات المرتبطة بها، أدى إلى منافسة ريوع الأسهم وعائداتها لإيرادات الفوائد، ما دفع بعض المودعين إلى التحول إلى أسواق الأسهم لاستغلال الفرص الاستثمارية المتوافرة. * مسؤول أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»