تزدحم أسواق المال في الأسبوعين الأخيرين من كل عام، إضافة إلى الأسبوع الأول من العام الذي يليه، بالتقارير والتوقعات والترجيحات الصادرة عن الكثير من المؤسسات والمصارف الاستثمارية الإقليمية والعالمية. وهذا ما نشهده هذه الفترة، خصوصاً على صعيد أسواق المنطقة. وتراجع عدد التقارير التي صدرت هذا العام بسبب صعوبة توقع أداء الاقتصادات أو حركة أسعار النفط أو أداء الشركات، خصوصاً منها تلك المرتبطة بأداء القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى صعوبة توقع أداء الاقتصاد العالمي، وتطورات أزمة الديون السيادية الأوروبية، والهاوية المالية الأميركية، ناهيك عن تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، إذ ما زالت دول كثيرة في المنطقة تشهد حالاً من عدم الاستقرار السياسي والأمني فيما يصعب تحديد الفترة الزمنية اللازمة لحل الأزمة السورية التي تؤثر تطوراتها في دول أخرى كثيرة في المنطقة. ومعلوم أن الاستقرار السياسي والأمني يلعب دوراً إيجابياً ومهماً في تعزيز تدفقات الاستثمار المحلي والأجنبي. وما يجري في سوق مصر للأوراق المالية خلال هذه الفترة من تذبذب في مؤشرات أدائها نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني مثال واقعي على أهمية الاستقرار. ومعلوم أن ارتفاع الأخطار السياسية والأمنية في أي دولة يتطلب تحقيق عائدٍ عالٍ من الاستثمار في سوق المال يتناسب مع حجم الأخطار، بعكس العائد المطلوب من أي سوق تنعم دولتها بالاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني. وثمة مراهنة من محللين على انضمام سوقي الإمارات وسوق قطر إلى مؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق الناشئة العام المقبل بعد تأجيل لمرات لأسباب تتعلق باستيفاء الشروط المطلوبة للانضمام، علماً أن انضمام هذه الأسواق سيؤدي إلى تدفق استثمارات أجنبية كبيرة تساهم في رفع سيولة هذه الأسواق وترفع قيمة تداولاتها، إضافة إلى أهمية هذا الانضمام في رفع حصة الاستثمار المؤسسي وبالتالي خفض حصة الاستثمار الفردي والذي تسيطر سيولته على حركة معظم أسواق المنطقة مع ما يحمله من تأثيرات سلبية تشمل استمرار انخفاض كفاءة هذه الأسواق لأن الاستثمار الفردي المضارب يركز عادةً استثماراته من دون الالتفات إلى الأساسيات المالية والاقتصادية والاستثمارية للشركات. ويُلاحَظ تناقض توقعات المحللين بالنسبة إلى نمو القروض والتسليفات في دول المنطقة، إذ يلعب النمو دوراً مهماً في تعزيز أداء القطاعات الاقتصادية التي عانى كثير منها في السنوات الماضية بسبب التشدد في منح القروض والتسليفات، ما أثر سلباً في أدائها. كذلك ثمة تناقض بين المحللين والمراقبين في تقدير المخصصات التي ستُقتطَع من أرباح المصارف لهذا العام لأغراض التحوط وتأثيرها في الأرباح الصافية والتوزيعات والأسعار السوقية، إذ اضطر معظم المصارف في المنطقة إلى تحييد مخصصات عالية خلال السنوات الخمس الماضية لمواجهة تباطؤ الكثير من اقتصادات المنطقة، ما أدى إلى تعثر بعض المدينين وانخفاض قيم الأصول والضمانات، خصوصاً في قطاعي العقارات والأسهم، ما يفسّر تركز معظم الضمانات في هذه القطاعات. ولو عدنا إلى توقعات المحللين وبعض المصارف والشركات الاستثمارية نهاية العام الماضي حول أداء أسواق المنطقة خلال هذا العام لوجدنا فجوة كبيرة بين الأداء الفعلي لهذه الأسواق وبين توقعات أدائها، إذ أجمعت معظم التوقعات على تحسن كبير في أداء مؤشرات أسواق الخليج والكثير من الأسواق العربية، بينما تشير الأرقام الواقعية إلى تراجع أداء ثلاث أسواق خليجية هذا العام وهي أسواق قطر والبحرين وعُمان، فيما حقق مؤشر سوق الكويت مكاسب متواضعة بلغت نسبتها 2.34 في المئة. وفيما حل مؤشر سوق دبي المالية في المرتبة الأولى في نسبة المكاسب ب 21 في المئة ومؤشر سوق أبو ظبي ثانياً بنسبة 11 في المئة، ارتفع مؤشر السوق السعودية بنسبة 7 في المئة. ويُلاحظ وللسنة الخامسة على التوالي ونتيجة الأزمات المالية والاقتصادية والمصرفية والسياسية على مستوى المنطقة والعالم وتأثيراتها السلبية وبنسب مختلفة على دول المنطقة، ازدياد صعوبة التوقعات وتراجع دقتها وصدقيتها بالنسبة إلى أداء الأسواق المالية، بعكس الفترة التي سبقت هذه الأزمات إذ كانت التوقعات أقرب إلى التحقق وكانت الفجوة بين التوقعات والأداء الفعلي للأسواق أضيق بكثير. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»