تتكالب القوى العالمية على منطقة الوطن العربي ، لموقعه الإستراتيجي وأهميته الجغرافية والتاريخية واللوجستية. ولا يأتي هذا الصراع على الوطن العربي صدفةً بل طمعاً في خيراته وللسيطرة على منافذه البرية والبحرية ومنابعه النفطية وموارده الاقتصادية بشكل عام ، وقديماً قال أجدادنا بلغتهم البسيطة :»ما يأتينا من الغرب لا يسر القلب» . إن تدخلات الولاياتالمتحدة أو روسيا وغيرهما من القوى في المنطقة ليس حباً أو دفاعاً عن العرب أو المسلمين وإنما ناتج عن أهداف إستراتيجية عميقة، فنظرة روسيا الى المنطقة ظهرت جلياً في أحداث سورية طوال السنتين الأخيرتين، وتقاطعت مع موقف كل من الصين وإيران. وتتجه أنظار روسيا اليوم إلى المنطقة من خلال مصالحها فيها وتقوية نفوذها، فهي تسعى الى الحصول على عمق إستراتيجي في المنطقة، خصوصاً في سورية ولها قاعدة عسكرية في ميناء طرطوس السوري الذي لا يبعد عن ميناء حيفا الإسرائيلي سوى150 ميلاً بحرياً، فالأسطول الروسي يراقب المنطقة والأميركيون بدورهم يراقبون الأسطول الروسي. ولا يقتصر الأمر على البحر، بل يتعدى ذلك إلى اليابسة، حيث إن لتركيا حدود مع روسيا ويوجد فيها قواعد أميركية لمراقبة روسيا، لذا تحاول روسيا أن تلتف بعمق إستراتيجي على تركيا باتجاه سورية لتراقب عن كثب ما يحدث في المنطقة. كما أنها تريد أن تحد من فعالية الدرع الصاروخية لحلف الأطلسي وضمان بسط نفوذها بواسطة الأحلاف الجديدة في منطقة أوروبا الشرقية. إن إستراتيجية روسيا تبدو واضحة في الأحداث السورية، رغم أنها لم تتدخل في ليبيا، وذلك بسبب وجود عقود تسلح بقيمة أربعة بلايين دولار فيما تبلغ قيمة الاستثمارات الروسية في البنية التحتية والطاقة والسياحة السورية أكثر من 19 بليون دولار. وعلى رغم عدم تفوق القطع البحرية الروسية على نظيرتها الأميركية أو التابعة لحلف الناتو إلا أن المخاوف الروسية الحقيقية جيوإستراتيجية، فموسكو تخشى انهيار النظام السوري وانتقال العدوى إلى مقاطعات روسيا نفسها في داغستان ومناطق القوقاز الشمالية. أما الولاياتالمتحدة، فهي تسيطر مع حلف الناتو، على قسم كبير من الوطن العربي، بما فيه من موارد، وذلك من خلال نفوذها وقواعدها المعلنة والسرية، لضمان تدفق النفط وسهولة عبور السفن التجارية والحربية في الممرات البحرية في المنطقة. وبالنسبة إلى الولايات فإن إسرائيل هي يدها في المنطقة، طبقاً لمبدأ نيكسون 1970 الذي يقضي بأن أميركا ستحارب بأموالها مدخرةً أرواح مواطنيها، أي أنها لا تقاتل وإنما تهيئ أصدقاءها وحلفاءها كي يقاتلوا نيابة عنها، لذا فإن إسرائيل تعتبر اليد الضاربة للولايات المتحدة في المنطقة، وقدح الشرارة، كما حصل في العدوان الثلاثي في العام 1956 ضد مصر عندما هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مصر بحجة تأميم عبد الناصر قناة السويس، لكن العدوان فشل بسبب صمود مصر وتدخل الاتحاد السوفياتي. أما الولاياتالمتحدة، فزعمت أن لا علم لها ولم تشاورها الدول الثلاث المعتدية، واليوم يتكرر هذا السيناريو خصوصاً في الأحداث السورية، فالولاياتالمتحدة تعتبر نفسها سيدة العالم الحر، وروسيا تعتبر نفسها حليفة الشرعيات في المنطقة، وتدخل القطبين في المنطقة يؤكد نواياهما في تجسيد المصالح الإستراتيجية وتقسيم المنطقة والدول إلى دويلات والاستفراد بخيراتها. أما إسرائيل فتظل أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة لفصل أفريقيا عن آسيا وتنفيذ السياسات الأميركية في المنطقة. إيران بدورها تسعى إلى إحياء مجدها الإمبراطوري الفارسي في المنطقة بشتى الوسائل، فتدعم بعض الحركات وتقف بجوار بعض الأنظمة، وكذلك تسعى لنشر (أيديولوجيتها) في المنطقة كهدف ثان لمخططها الرامي إلى السيطرة على المنطقة، إلا أن الولاياتالمتحدة تعتبر إيران محور الشر في المنطقة وتتخذها أحياناً ذريعة للسيطرة على المنطقة باعتبار الولاياتالمتحدة شرطة العالم. ولا تهتم إيران كثيراً بإحياء النظام الإسلامي بقدر ما تريد إحياء القومية الفارسية في المنطقة. لقد بدأت إستراتيجية إيران للسيطرة على المنطقة العربية بالاختراق الاستخباري والتدخل، خصوصاً في العراق، تلتها السيطرة على بعض المناطق العربية، مثل الأحواز والجزر العربية الثلاث، طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى التابعة للإمارات العربية. وأهمية هذه الجزر ليست بمساحتها ولا بعدد سكانها وإنما بموقعها الاستراتيجي عند مضيق هرمز والسواحل الحدودية . إن المنطقة أصبحت ميداناً للطامعين من القوى والتحالفات العالمية للسيطرة على خيراتها وضمان مصالحها، ليس حباً أو دفاعاً عن الأمة العربية أو الإسلامية، فالغزاة والمنادون بالديموقراطية لا يهمهم أمرنا بل يهمهم مصالحهم، فعلينا كعرب أن نبحث لأنفسنا عن حاضنة سياسية واقتصادية وعسكرية ورسم إستراتيجية لحماية الأمة من أخطار الطامعين والعابثين بأمنا وخيراتنا وأرضنا.