منذ انطلاقة الأزمة السورية منذ أكثر من عام تكرر اسم القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، على اعتبار أنها دافع مهم لإطلاق الدب الروسي لحق النقض في وجه المشروع العربي الهادف لإنقاذ الشعب السوري. إذ كان واضحاً أن روسيا مستعدة للدخول في مواجهة العالم لحساب دفاعها عن نظام الحكم الأسدي الذي قدم له هذه القاعدة البحرية كرشوة جعلته يتجاهل العنف المفرط الذي تستخدمه قواته ضد مواطنين عزل ومجاميع مسلحة بأسلحة خفيفة لا تشكل نداً للقوة العسكرية النظامية. قاعدة طرطوس بدأت روسيا في الأشهر القليلة الماضية العمل على تنفيذ مشروع متكامل يتولى الإشراف عليه الأدميرال فلادمير فيسوتسكي قائد الأسطول المرابط هناك، على أن ينتهي العمل على مشروع إنشاء هذه القاعدة البحرية نهاية عام 2012 الحالي مع العلم أن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد كان يرفض بشكل مطلق إنشاء قاعدة بحرية روسية متكاملة في طرطوس كي لا يتورط في معادلة الصراع الأميركي الروسي بين الأقطاب فسمح لقوات الاتحاد السوفيتي باستخدام ميناء طرطوس منذ عام 1974 مع رفضه المتكرر إقامة قاعدة دائمة تضع سورية ضمن حدود المعسكر الشرقي، فالرئيس السابق كان يريد اللعب على المتناقضات وليس الدخول طرفا فيها، وهو ما فشل في استيعابه الأسد الصغير. وساهمت الضغوط الاحتجاجية في دفع بشار للتوقيع بإصرار من العميد ماهر الأسد على إنشاء قاعدة تتجاوز بذلك اتفاقية حق استخدام الموانئ المبرمة منذ عقود بين الجانبين السوري والروسي، لتتحول الاتفاقية الجديد كرشوة رسمية مكلفة تدفعها دمشق للنظام الروسي مجبورة ليستخدم حق النقض والحماية من العقوبات الأممية والعمل العسكري المضاد ضمن مهام مجلس الأمن لحماية المدنيين. مهام القاعدة الاستراتيجية والعملياتية تشكل قاعدتا طرطوس واللاذقية قطبي عمل الأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط وبالتالي السماح للتحرك العسكري الاستعراضي الروسي الذي يعطي النظام في موسكو القدرة على استشعار كونه لا يزال من الدول العظمى ويسهل عليه التفاوض مع الولاياتالمتحدة الأميركية من منطلق الندية نوعاً ما ،خاصة في مفاوضات الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا بين واشنطنوموسكو، لتصبح هذه القاعدة نقطة أساسية في مشروع الأمن القومي الروسي. وتتنوع مهام القواعد التي تستخدمها روسيا باختلاف احتياجات موسكو واختلاف القطع البحرية التي ترسلها إلى المنطقة، خاصة قاعدة طرطوس المحمية بمنظومات صواريخ من طراز "باستيون" مزودة بصواريخ "ياخونت- بي 800" المضادة للسفن، لحماية سورية من التهديدات التي تمثلت في اقتراب سفن أميركية قتالية من مياهها الإقليمية، ومحاولات الغرب تكرار التجربة الليبية في سورية. وتستخدم روسيا سفنا تستخدم لعمليات التجسس الإلكتروني من خلال قاعدتها البحرية في طرطوس لتحديد منظومة التسلح الإقليمية للدول المطلة على البحر المتوسط، والتجمعات العسكرية المتحركة فيه بما فيها القواعد الأميركية وقطع الأسطول السادس الأميركي (المتمركزة في البحر المتوسط) ونشاطات إسرائيل العسكرية والتداخل مع اتصالات تلك الدول بما في ذلك الدول العربية التي يخشى أنها تخدم مصالح التوازن المصطنع الذي تدعمه روسيا الذي يمثل الحلف الروسي السوري الإيراني الصيني الهادف إلى تقليص النفوذ الأميركي في المنطقة تدريجياً. ويعتبر هذا الوجود عقبة في توجيه إسرائيل ضربه عسكرية ضد إيران لقدرته على عمل تشويش يضعف قدرة المنظومة الجوية الإسرائيلية على توجيه ضربة عسكرية ضد إيران بفعالية كبيرة، فيما تزيد المناورات البحرية الروسية الروتينية في البحر المتوسط من توتر القوى البحرية الغربية التي ترى في هذا الوجود ضغطاً روسياً في منطقة نفوذ غربية. النشاطات للبحرية الروسية ولحلفائها الاتفاقية المبدئية لقاعدة طرطوس كانت في 2011 وكان هناك تردد من القيادة السورية لتنفيذها لكن استمرار الضغوط الاحتجاجية دفعها للموافقة عليها مقابل دعم غير محدود من موسكو لنظام الأسد ودعم تطويري للمنظومة العسكرية السورية خاصة على المستوى الصاروخي والجوي والتقني فيما يتعلق بالحرب الإلكترونية، إضافة إلى استفادة إيران من هذه القواعد البحرية ليكتمل الضغط على الولاياتالمتحدة استراتيجيا من خلال الدولة التي تشكل رأس الحربة في المشروع الروسي ضد أميركا، فإيران تستخدم هذه القواعد لتوجد بقوة في البحر المتوسط على غرار روسيا مقابل دعم عسكري للجيش التقليدي السوري. لذلك فإن قاعدة طرطوس تمثل آخر قاعدة روسية خارج أراضيها بما في ذلك الجمهوريات السوفيتية المستقلة التي تدور ضمن الفضاء الأميركي، وتشتمل عمليات الأسطول الروسي التي تكثف نشاطات عملياتها بين هذه القاعدة وقاعدة الإسناد السورية في اللاذقية مما يتطلب منظومة حماية متكاملة على طول الساحل السوري لحمايته من الهجمات العدائية المحتملة خاصة البحرية منها، وتوجد بشكل شبه منتظم في قاعدة طرطوس حاملة الطائرات "أميرال كوزنتسوف" ترافقها أربع قطع بحرية حربية مساندة، من ضمنها سفينة حراسة وسفينة مضادة للغواصات، وهي مقبلة من قاعدة القوات البحرية الروسية في مدينة سيفيرومورسك في شمال روسيا. وتمتلك حالياً روسيا قاعدة للصيانة وهي تقدم خدماتها حاليا من خلال بارجة روسية في ميناء طرطوس. يذكر أن حاملة الطائرات "أميرال كوزنتسوف" مسلحة بثماني طائرات مقاتلة من طراز "سوخوي-33" وطائرات "ميج- 29 كيه" المقاتلة وطائرات هليكوبتر، وهي مزودة بصواريخ تقاطع مضادة للصواريخ، وصواريخ أرض جو. وتتضمن التشكيلة القتالية الروسية التي تزور قاعدة طرطوس البحرية بشكل شبه منتظم البارجة الروسية "الأميرال تشابانينكو التي تعتبر أحد أهم سفن مكافحة الغواصات في الأسطول القتالي الروسي،" وسفينة الخفر "ياروسلاف مودري" التي انضمت لحاملة الطائرات، إضافة إلى سفن الإمداد والتموين والحماية. وتقوم هذه المجموعات بتنفيذ مهام تدريبية استفزازية ذات أبعاد سياسية حيث يقوم الطيارون بطلعات جوية على طائرات سوخوي – 33 المقاتلة في البحر الأبيض المتوسط، فيما تقوم السفن الحربية الروسية بقيادة الفريق البحري الكسندر فيتكو بتنفيذ مهام افتراضية لمكافحة الغواصات المعادية بشكل دوري في المياه الدولية في البحر المتوسط بشكل يثير استنفار الدول الأوروبية كافة ويضيق على حركة الملاحة البحرية التجارية في هذه المياه التي تعتبر أحد أهم المعابر الدولية التجارية البحرية.