«عصير فريش، خالي من الغش، بيفرد الوش»، عبارة شعبية تسمعها من بائع سوري وهو يسكب «تمر هندي» لحِرَفِيّ عُماني في مهرجان مسقط السنوي. لا تبدو اللهجتان العمانية والسورية غريبتين إحداهما عن الأخرى، على لساني الرجلين، فعلى مدار أيام المهرجان التي تمتد نحو شهر وتعيش أسبوعها الأخير، اعتاد حامل التمر هندي وشاربه على اللقاء اليومي، كما اعتاد رواد حديقة العامرات على رؤية مجموعة من السوريين يزورون أرجاء المكان الرحب حاملين أوانيهم المعروفة وكلماتهم الدعائية مع أن الجو البارد (وفق مستوى درجات الحرارة في مسقط الدافئة غالباً) لا يعطيهم مساحة للكسب أكثر. وغيّر مهرجان مسقط مكانه الأهم هذه السنة، إذ انتقل من حديقة القرم الطبيعية التي اعتادته على امتداد دوراته عبر أكثر من عقدين، إلى حديقة العامرات الواقعة في مرتفعات جبلية، كأنما بلدية مسقط تريد القول إن هذه الولاية ضمن العاصمة وإنْ حالت الجبال الشاهقة بينها والمركز. وسعت البلدية إلى إخراج المهرجان بعيداً من الإخفاق مع تغير المكان، ونظمت مداخل الحديقة ومخارجها، راسمة ملمحاً مختلفاً للقرية التراثية المعتاد عليها في المكان السابق. وعلى مدخل إحدى البوابات جلست عشرات النساء على مصطبة طويلة كأنها جناح يطبخن المأكولات العمانية التقليدية والتي يقبل عليها أهل السلطنة أكثر، الخبر العماني الخفيف بدائرته الواسعة، والسمبوسة واللولاه وغيرها من الأنواع التي يحضر بعضها في المناسبات، كشهر رمضان. وبعد ذلك الامتداد الطويل للمطبخ العماني، يأتي الدور على صفوف طويلة أخرى، بعضها لبائعات اللبان والبخور، والآخر لمشغولات نسائية، قبل الدخول إلى بناء تراثي يجلس إلى محلاته الصغيرة الحرفيون العمانيون. وينشط الصفّار وصناع السفن والجلديات والسعفيات وغيرهم من كبار السن أمام عدسات الكاميرا وهي تلتقط الصور، علماً أن المهرجان يشهد حضوراً إعلاميا لافتاً. شغل الجانب التراثي كثيراً من التفاصيل لفعاليات المهرجان المقامة في حديقة العامرات، حيث تتوزع نماذج من القرى العمانية (الريفية والبدوية والساحلية) لتقدم صوراً من الحياة التقليدية، إضافة إلى المصنوعات التي تعود إلى الطبيعة في السلطنة. وتتواصل لوحة التراث مع معرض الهيئة العامة للصناعات الحرفية الذي يقدم منتجات مراكز الحرف التابعة للهيئة، معرفاً بها، وعارضاً لمن أراد شراء منتجاته التراثية المطورة لتناسب البيت الحديث. وفيما يتحلق الزوار حول سالم السديري وهو يحوّل الطين بأصابعه المحترفة إلى أوانٍ تتشكل بمهارة تجذب المتفرجين، يقف أبو حمد أمام متحفه الصغير ليعرض مكوّنات الحياة القديمة التي تعود لعشرات السنين أو مئاتها من أدوات طبخ وفلاحة وغيرها، وصولاً إلى الأسلحة التي كانت مستخدمة، كالبنادق والتروس والسيوف. وعلى كتف عظم جمل يعرض رسالة مكتوبة بخطٍّ بانت عليه تغيرات الزمن، وأمام هالة الماضي وقدسية تذكاراته، لا يكف أبو حمد عن «مداعبة» زواره، إذ يخرج من صندوقه الخشبي العتيق زجاجة معتمة عارضاً على زائريه عطراً، لكن لا يخرج العطر، بل أفعى من نوع الكوبرا. وأتى المعرض بعشرات الحرفيين من دول العالم، لعرض منتوجاتهم من فنون بلادهم، فيعرض اليمني نفائسه، والمغربي تراثَ بلاده من مشغولات متنوعة، أبرزها الأزياء النسائية القريبة من الزي الخليجي، مروراً بالصين ومصر والسودان وفرنسا.