دشن خادم الحرمين الشريفين الأسبوع الماضي الدورة الجديدة لمجلس الشورى، التي ستختلف عن الدورات السابقة بمشاركة ممثلات عن نصف المجتمع للمرة الأولى منذ قيام المجلس، وبزخم إعلامي عالمي جاءت نتيجة قرار الملك التاريخي بتعيين 30 سيدة كعضوات في المجلس في دورته الجديدة. لا شك أن مشاركة المرأة في مجلس الشورى يمثل حدثاً تاريخياً، إذ اختصر هذا القرار سنوات وسنوات من الرحلة التي يفترض أن يخوضها المطالبون بمشاركة كاملة للمرأة في الحياة العامة، وليس فقط للدفاع عن قضاياها، والبحث عن حلول لمشكلاتها في المجتمع، بعد هذا القرار لا نتوقع أن نعود من جديد لجدل بيزنطي حول ما إذا كان للمرأة الحق في دخول المجالس والهيئات واللجان العامة، فقد «قطعت جهيزة قول كل خطيب»، ولهذا نتوقع أن يفتح هذا القرار الطريق لمشاركة المرأة في مجالس المناطق، ومجالس الجامعات السعودية، وعلى مستوى حقوقها في تبوء أعلى مناصب التمثيل الديبلوماسي للمملكة في الخارج. هذه المقدمة الاحتفالية قد تكون ضرورية للدخول في صلب موضوع المقال، وأقول إن مجلس الشورى بهذا الزخم الجديد يحتاج فعلاً أن يكون في مستوى تطلعات المواطنين، على رغم كل ما يقال عن محدودية صلاحياته، وضعف قياداته أمام نفوذ الوزراء، وعدم قدرتها على الدفاع عن إرادة المجلس وقراراته التي صدرت ورفعت إلى خادم الحرمين الشريفين. أحسب أن بإمكان أعضاء مجلس الشورى إيصال صوتهم بصورة أكبر والتأثير في صناعة القرار - ليس من خلال وسائل الإعلام – وإنما من خلال إيجاد أكثر من وسيلة للوصول إلى صاحب القرار وإقناعه برأي المجلس في كل قضية تعرض عليه. أعرف أن هناك تيارات مختلفة داخل المجلس، وأن هناك اختلافاً في وجهات النظر حول القضايا الوطنية، وهذا أمر طبيعي، بل هو صحي لمناقشة القضايا كافة بشفافية ووضوح، ولكن أحسب أن ما قد يُجمع عليه أعضاء المجلس هو أهمية العمل بشكل جماعي على إعادة الاعتبار لمجلس الشورى، بحيث يكون للمجلس رأي واضح وصريح، ودور قوي في صياغة البرامج والمشاريع الوطنية وفي الرقابة على الأجهزة الحكومية. إن ما قد يحبط بعض أعضاء المجلس الغيورين على وطنهم، والمهتمين برفعته وازدهاره، هو ضياع ساعات وساعات في النقاشات والمداولات والاتصالات، للوصول إلى توصيات تذهب أدراج الرياح، وتختفي عندما يطبع عليها رقم الصادر من المجلس، فيظن أولئك الأعضاء أنه كان من الأولى حفظ هذا الوقت المهدر في أمور أخرى قد تتعلق بأعمالهم خارج المجلس، أو بحياتهم الخاصة، أو في بناء عالم افتراضي خيالي يتسللون إليه بين جلسات المجلس ويلوذون به مؤثرين السلامة والاستقامة والصحة والعافية، وأخشى كثيراً أنه إذا تراكمت هذه الأفكار السوداوية، وأصبح يهمس بها العضو لزميله في المجلس فسيتحول المجلس إلى ملهاة كوميدية، ظاهرها الوقار، وباطنها الاستخفاف بكل ما يئن به المواطن في الخارج من ضعف الخدمات، وانسداد الفرص، وقسوة الحياة. ما نريده من مجلس الشورى في بداية دورته الجديدة هو رد الاعتبار للمجلس نفسه، والدفاع عن حقه الذي كفله له النظام الأساسي للحكم، وأن يتبنى صوت المواطن وشكواه ويدافع عن هذا الصوت، فلا يهم كثيراً كم عدد الأنظمة التي أقرها المجلس، ولا عدد التوصيات التي رفعها للمقام السامي، وإنما يهم كثيراً أن يتوقف الوزير قليلاً أو كثيراً، فيقول لا نستطيع اتخاذ هذا القرار لأن مجلس الشورى لن يوافق عليه، أو يقول سنتخذ هذا القرار لأنه يتوافق مع توصيات مجلس الشورى، أو يقول قبل أن نتخذ هذا القرار لا بد أن نستمع لرأي مجلس الشورى فيه. هذا ما يهم الآن، وما تبقى من وقت لدى الأعضاء فلهم الحق في أن يصرفوه كما يشاءون في رحلات خارجية، أو في مناقشات بيزنطية، أو في أعمالهم الخاصة. * أكاديمي سعودي. [email protected]