مع تصاعد المواجهات بين قوات الاحتلال وبين المواطنين الفلسطينيين الغاضبين في الضفة الغربية وزيادة القلق من تدهور خطير إلى حد انتفاضة ثالثة، يقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، أمام اختبار صعب يتطلب منه خطوات جدية وجريئة وربما «تنازلات مؤلمة» في محاولة لاجتياز مأزقه بنجاح، خصوصاً عشية زيارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المنطقة الشهر المقبل، وهي زيارة تحمل في مضامين أبحاثها أهمية كبيرة لدى الإسرائيليين كون الملف النووي الإيراني الذي يتصدر هذه الأبحاث ما زال يتصدر أجندة الإسرائيليين، وهم ليسوا معنيين بأن يفرض الموضوع الفلسطيني نفسه كموضوع أول. نتانياهو، الذي خصص ما تبقى من وقت قبل زيارة أوباما، لإنهاء مفاوضاته مع الأحزاب الإسرائيلية لتشكيل حكومة، يمكنه أن يعلن من خلالها خطوطاً عريضة لسياسته، تكون مناسبة لاستقبال الرئيس الأميركي، وجد نفسه أمام خطر تدهور أمني من جبهة كان يحاول طوال الوقت وضعها جانباً وجعلها ثانوية. فخلال الأشهر الأخيرة التي سبقت الانتخابات الإسرائيلية وحتى اليوم الأخير من الانتخابات لم يأخذ نتانياهو القضية الفلسطينية على محمل الجد وجعل الوضع الأمني تجاه إيران ولبنان وسورية وحماس الأكثر أهمية في توجهه إلى الإسرائيليين، على رغم المؤشرات الخطيرة في الأزمة التي تواجهها الضفة الغربية وإحباط المواطنين من مختلف الجوانب بخاصة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك قضية الأسرى. واليوم يحذرون في إسرائيل من تدهور أمني خطير، قد يجعل الضفة جبهة نار مشتعلة لشهور طويلة وربما لسنوات. وليس صدفة أن المؤسستين السياسية والعسكرية الإسرائيليتين تبديان التخوف منها وتستعد الأجهزة الأمنية لمواجهة مختلف السيناريوات المتوقعة فيها. حاول نتانياهو التخفيف من حدة التدهور الحاصل في الضفة من خلال خطوات عدة اتخذها معتقداً أن سياسة الجزرة والعصا هي الأفضل تجاه الفلسطينيين. فأرسل إلى السلطة الفلسطينية مستشاره المحامي يتسحاق مولخو، ليدعوها إلى اتخاذ إجراءات فورية تمنع حصول تدهور أمني ولكنه في الوقت نفسه اجتمع مع وزراء في حكومته ومسؤولين أمنيين للبحث في سبل التعامل مع التطورات الحاصلة. وكما في كل مرة يحاول إرضاء الطرف الآخر اعتقد نتانياهو هذه المرة، أن سياسته في ما يسميه الإسرائيليون «نوايا حسنة» تجاه الفلسطينيين ستنجح فأسرع إلى الإعلان عن تحويل أموال الضرائب التي تحتجزها إسرائيل وهناك مسؤولون تحدثوا عن احتمال الإفراج عن دفعة من الأسرى وتقديم تسهيلات عند الحواجز وغيرها ودعا السلطة الفلسطينية إلى إرسال طبيب شرعي ليشارك في تشريح جثة الشهيد عرفات جردات، الذي توفي في السجن في شكل مفاجئ وأدت وفاته إلى هذا الانفجار الجديد. لكن الخلفية التي انطلقت منها التظاهرات وأعمال الاحتجاج في الضفة أصبحت أكبر بكثير من أن يكون حلها بمجرد إبداء حسن نية. أما الأموال التي أقر تحويلها، فهي بحد ذاتها تشير إلى أن نتانياهو غير جدي في إيجاد الحلول. فالأموال في شكل خاص لا تحتاج إلى مثل هذه التظاهرات للحصول عليها، حتى إنها لا تعتبر تنازلاً أو بوادر حسن نية، بل كما قال النائب العربي في الكنيست، محمد بركة، رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، إنها أموال سرقها نتانياهو وحكومته ويعيدونها اليوم وبعد احتجازها في شكل غير قانوني، لأصحابها الأصليين وعلى نتانياهو أن يتخذ خطوات مهمة وضرورية في دفع العملية السلمية وإنهاء الاحتلال. وفيما وصف بركة التطورات التي أعقبت وفاة الأسير الفلسطيني جرادات وإضراب الأسرى، ب «القنبلة الموقوتة في المنطقة، حذر إسرائيل من أبعاد سياستها تجاه الأسرى الفلسطينيين ودعاها إلى اتخاذ خطوات فورية والإفراج عن الأسرى، طبقاً للقوانين والشرعية الدولية قائلاً: «إذا وقع أي مكروه لأي أسير، فإن الأمر سيشعل حريقاً يمكن أن نتوقع بدايته لكن، لا يمكن أن نتوقع نهايته». والسؤال هل ستنجح إسرائيل في أن تبادر إلى خطوة مهمة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة أم تنتظر ضغطاً آخر من الميدان والمجتمع الدولي؟ الرد على هذا السؤال يحتاج إلى بعض الوقت لأن نتانياهو لم يتوقع هذا التفاعل السريع للقضية لكن، في الوقت نفسه تشير تجارب الماضي مع إسرائيل إلى أنها فهمت جيداً بأنه لا داعي لمواجهة الخطوات التي يتخذها الفلسطينيون بعناد، خصوصاً مواجهة الإضراب عن الطعام، لأن عملية كهذه ستأتي بنتيجة واحدة وواضحة بتشكيل ضغط دولي على إسرائيل للإفراج عن أسرى. والواضح اليوم أن الفلسطينيين لن يقبلوا بأقل من الإفراج عن دفعة غير قليلة من الأسرى الفلسطينيين حتى تهدأ الأوضاع، وهذا ما يضع نتانياهو أمام قرار سيكون مضطراً لاتخاذه من دون ارتكاب أخطاء تؤثر في خطواته لتشكيل الحكومة، من جهة، وفي زيارة الرئيس أوباما من جهة أخرى. واتخاذ هذا القرار ليس بالأمر السهل، فنتانياهو وحوله مجموعة كبيرة من سياسيين وعسكريين يعتبر خطوة كهذه تنازلاً بل تشجيعاً لمثل هذه الأعمال أو ما يسميها الإسرائيليون «أعمال إرهابية» لابتزاز إسرائيل والإفراج عن الأسرى، بخاصة بعد أن خرجت تهديدات بخطف وأسر جنود أو مواطنين إسرائيليين ليكونوا ورقة مساومة يضمن من خلالها الفلسطينيون الإفراج عن الأسرى... ولا شك في أن حديث رئيس الكنيست الموقت، بنيامين بن أليعازر، يحمل أهمية كبيرة. فهو من عمل قائداً للجيش الإسرائيلي في الضفة وبعدها وزيراً للدفاع. حذر بن أليعازر من خطر استمرار وتصعيد الأوضاع كون المنطقة واقعة على حافة انتفاضة ثالثة، وأضاف «قد تكون تلك انتفاضة أوسع وأخطر وأكثر دموية من الانتفاضتين الأولى والثانية. الاحتلال يقترب من 50 سنة والفلسطينيون والإسرائيليون ملّوا هذا الاحتلال» وشدد بن أليعازر على أن على نتانياهو أن يقود عملية سياسية في المنطقة قبل أن تفرض عليه فرضاً من الخارج. ودعا نتانياهو لكي يقدم بياناً إلى الكنيست حول التدهور الجديد وكيفية مواجهته. وبن أليعازر ليس وحيداً في موقفه هذا فهناك مسؤولون إسرائيليون، يدعمونه في موقفه، وهؤلاء لم يسقطوا من أسباب احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة الوضع الاقتصادي في الضفة وقضية الأسرى وكذلك السياسة التي يتبعها المستوطنون تجاه الفلسطينيين في الضفة وأبرزها الاعتداءات والتنكيل وتخريب الأملاك الفلسطينية ضمن سياسة «تدفيع الثمن»، كما يرى رئيس مجلس الأمن القومي، غيورا إيلاند. الجيش يستعد لانتفاضة الأسرى في الجيش الإسرائيلي لا ينتظرون نتائج قرار تحويل الأموال أو اجتماعات الحكومة لتتخذ قرارها بسلة بوادر حسن النية، فرئيس أركان الجيش، بيني غانتس، أصدر تعليمات لجيشه للاستعداد لمواجهة انتفاضة ثالثة واتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمواجهتها. ومن جهة غانتس فلا مكان للعملية السياسية في خلفية تدهور الأوضاع ولا علاقة لجمود العملية في الأحداث ولا حتى تصرفات المستوطنين أو الأسرى الفلسطينيين. غانتس اتهم السلطة الفلسطينية واعتبر أن من يؤجج النار في الضفة ويحرض السكان على الخروج إلى التظاهرات ما هو إلا عناصر في السلطة الفلسطينية ذاتها. أما قادة الجيش والأجهزة الأمنية فتنظر إلى الأمور من وجهة نظر مختلفة، ووفق اعتقادهم فإن عام 2013 سيكون عام الحسم، فإما أن يكون انهيار السلطة وإما أن تكون مسيرة سياسية. وفي بحث الإسرائيليين لكيفية مواجهة انتفاضة ثالثة يتطرق أمنيون وعسكريون إلى تجربة الانتفاضتين الأولى والثانية، اللتين تعتبران كابوساً لهم. والواضح من الأوضاع أن ما يحدث اليوم في الضفة شبيه بالأوضاع عشية الانتفاضة الأولى عام 1987. ففي تلك الفترة كان الجيش الإسرائيلي يسيطر على كل المدن الفلسطينية ومسؤولاً عن استعمال جهاز الحياة اليومية. كما كان نشاط الجيش محصوراً بالعناية في حماية مستوطنين والعمل على ضمان تنقلهم إلى جانب حماية مباني الإدارة العسكرية. ووفق الإسرائيليين فإن الجيش بذل جهداً كبيراً جداً لمحاربة الإضراب التجاري وإغلاق الجامعات وفتحها. أما إذا وقعت انتفاضة ثالثة فالجيش سيكون مضطراً لحماية الشوارع والمستوطنات لعدم منع خروج الإرهاب من الضفة إلى إسرائيل، على حد اعتقاد بعض الجهات. وفي ذروة هذا النقاش رفع مسؤولون منح الجنود الضوء الأخضر لإطلاق النار الحية للسيطرة على الوضع ولمنع مظاهر وصور لجنود يهربون من حجارة شبان وفتية الضفة أو يقعون وهم يركضون هرباً من المتظاهرين، كما الصورة التي روج لها قبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة. ودعا خبراء بينهم نداف شرغاوي إلى عدم اتخاذ قرار يحظر من خلالها على الجنود فتح النار تجاه المتظاهرين وقال: «محظور أن تصدر تعليمات حظر لفتح النار. فلا يدور الحديث فقط عن كرامة الجنود وإسرائيل. فتقييد أيادي الجنود بتعليمات مقيدة، والمراعاة الزائدة لانعكاس المشاهد في وسائل الإعلام، ستشجع فقط المتطرفين والعنيفين في المجتمع الفلسطيني. «ضبط النفس»، «كبح الجماح»، «الامتصاص» و «الاحتواء» للعنف أو «للمواجهة بقوة منخفضة» – ليست سياسة. أدت سياسة الاحتواء في الماضي إلى عنف أشد، وعندما احتويناه هو أيضاً، اشتد أكثر فأكثر إلى أن تطور إلى إرهاب حقيقي. الانتفاضة الأولى والثانية وكذا الإرهاب في الجنوب وغيرها بدت «صغيرة» وأصبحت مشكلة عويصة كلما تطورت قدرة ضبط النفس والاحتواء لدينا»، يقول شرغاوي ويتعالى صوته في الدعوة إلى الرد بالنار والتوقف عن احتواء الوضع القائم.