يعتقد قانونيون أن عدم التزام جهات رسمية وموظفيها بتطبيق القانون، «عامل أساسي في ضعف الثقافة القانونية في المجتمع السعودي بشكلٍ خاص، والعربي عموماً»، في ما يرى بعض آخر أن «اختلاط مفهوم الشريعة ومقاصدها، ونظريات القانون ومواده، سبب رئيس في ضعف تطبيق القانون في المجتمع»، مطالبين بإنشاء «قاعدة معلومات قانونية»، يتم من خلالها «تثقيف المجتمع قانونياً، عبر وسائل الإعلام المختلفة بصفة مستمرة، ليشمل موظفي الدولة في الدوائر الحكومية، والقطاع الخاص في الشركات والمؤسسات الأهلية، والطلاب والطالبات، وربات المنازل، لتصبح الثقافة القانونية مطلباً إلزامياً». من جهته، يقلل المحامي طه الحاجي من مستوى وعي المجتمع السعودي بالقانون وتطبيقه، وأكد في تصريح إلى «الحياة»، «عدم التزام جهات رسمية بالأنظمة والتشريعات». ويذكر أن «الكثير من موظفي الجهات الرسمية ينقصهم الإدراك والوعي الكاملين في القوانين وتطبيقها، وهذا ما نلاحظه في المجتمع»، مستشهداً بما يحدث بين بعض التجار، وكذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، من «قذف وشتم من دون مبالاة بالأنظمة». ويعزو الحاجي، السبب في ذلك إلى «جهل البعض بالأنظمة التي تحميهم في هذا المجال، وعدم الصرامة في تطبيق هذه القوانين، والتساهل والتراخي مع مرتكبي المخالفات»، مطالباً ب«التشديد على الالتزام بتطبيق القوانين على الطرفين، وبخاصة من الجهة المختصة بتطبيقه، والجهة المعنية بالالتزام». ويصنف أهمية التوعية القانونية داخل المجتمع ضمن «الضروريات المُلحة»، مضيفاً أن «التشريعات السماوية والأنظمة تنظم علاقة البشر في بعضهم، وكذلك علاقتهم بالدولة، لذا يجب الإعلان عنها، وإيصالها إلى الجميع بصورة واضحة ومفهومة لمدة معقولة قبل أن تستقر وتصبح ملزمة». ويقتصر نشر بعض القوانين في الصحيفة الرسمية «أم القرى». إلا أن الحاجي، يلفت إلى أن «هذه الصحيفة ليست في متناول الجميع، في كل حين، للاطلاع على ما تتضمنه»، لافتاً إلى أن «الأحكام والأنظمة كي تنال الاحترام والقوة، يجب أن تحاط بوعي الأطراف كافة، حكاماً ومحكومين، ويصاحبها تطبيق صحيح لها من الجهات التنفيذية والقضائية، فالمعني في تفعيل القوانين هي الجهات التنفيذية التي يجب عليها الالتزام الدقيق بها، قبل أن تلزم المواطنين بها، وكذلك المساهمة في نشر الأنظمة وتوعية المجتمع ومنسوبيها، كما أن عليها إصدار اللوائح التنفيذية للأنظمة من دون تأخير»، مشيراً إلى أن هناك «أنظمة من دون لوائح تنفيذية، منذ أعوام طويلة». ويحدد الحاجي النقطة التي من خلالها يشعر المجتمع بقوة القوانين من خلال «إنصافيتها»، موضحاً أنه «حين يجد الإنسان في القوانين القوة والقداسة والإنصاف والحماية لحقوقه وكرامته، عبر التزام الجهات التنفيذية والقضائية بتطبيق الأنظمة من دون تأخير». ويسلط الضوء على دور القانونيين والأكاديميين والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني، مشيراً إلى أنه يجب عليهم «نشر الثقافة القانونية، وتوعية المجتمع بأهمية الاطلاع على الأنظمة والالتزام بها». ويقترح «المساهمة بنشر هذه الثقافة بالطرق التي تصل إلى المجتمع بسهولة وسلاسة، مثل تفعيل دور الإعلام الجديد بأشكاله كافة، لنشر معلومة بسيطة وسهلة الفهم وسريعة الوصول، وبتثقيف وتوعية موظفي أجهزة الدولة المعنية بهذه الأنظمة، عبر دورات مكثفة ومعمقة ومتخصصة. والأهم من ذلك كله؛ التزام جميع الأطراف بالقوانين، وعدم تجاهلها، أو محاولة الالتفاف عليها»، مضيفاً أن «التطبيق الصحيح ينعكس بصورة إيجابية على المجتمع ، يضاف إلى ذلك أهمية وسائل الإعلام في تسليط الضوء، وتثقيف المجتمع». ويرمي المحامي محمد الجشي، كرة تدني مستوى الثقافة القانونية لدى أغلب المجتمعات، في مرمى «اختلاط مفهوم الشريعة ومقاصدها ونظريات القانون ومواده». ويقول ل«الحياة»: «إن الثقافة القانونية تعني في مفهومها الشخصي معرفة المرء بما له، وما عليه من حقوق وواجبات، من خلال معرفته بالقانون، نظرياً وعملياً، فقد يواجه الإنسان أحداثاً ووقائع في حياته اليومية، من خلال ارتباطاته وتعامله مع الآخرين في المجتمع، سواءً أكانت مادية أم معنوية»، لافتاً إلى أن هذه الأحداث «بحاجة إلى معرفة قانونية، تضمن له حقوقه، وتكفل له الحفاظ على حريته، ومعرفة ما له وما عليه، وتنمي لديه وعياً بحدود المسؤولية بينه وبين الآخرين»، مُستدركاً أن «المتتبع للحال والوضع السعودي والعربي، يستنتج تدني مستوى الثقافة القانونية لدى غالبية كبيرة من الناس، ما أدى إلى تدني مستوى تلك الثقافة، التي تُعد أداة مهمة في تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع». ويطالب الجشي «أصحاب القرار بصفة خاصة، والمثقفين من القانونيين عموماً، بإنشاء قاعدة معلوماتية قانونية، يتم من خلالها تثقيف المجتمع قانونياً، عبر وسائل الإعلام المختلفة بصفة مستمرة، ليشمل موظفي الدولة وموظفي القطاع الخاص والطلاب والطالبات وربات المنازل، لتصبح الثقافة القانونية مطلباً إلزامياً وثقافة معرفة»، موضحاً أنه «كي يعي الفرد مبكراً هذه الثقافة فلا بد من تضمين مناهج تعليمية قانونية إلى المواد الدراسية في المدارس والجامعات». وعن تجاهل المجتمع لتطبيق القوانين، ذكر أن «اعتماد المجتمع على التشريع الإسلامي في التجريم والعقاب وكذلك الحقوق، يفتح مجالاً للجدل والتفاوت في تقدير الحقوق والعقوبات، انتقالاً من رأي إلى آخر، ومن قاض إلى آخر، فلكل قاض اعتقاد في مذهب، أو رأي محدد. وفى كل مذهب نجد المتشدد، وغير المتشدد، ويظل الأمر متروكاً لاجتهاد كل قاض، فتتفاوت الفرص في الحصول على الحقوق أمام القضاء، وتتفاوت العقوبة من قاض إلى آخر على الجرم ذاته». ولحسم هذا التفاوت يؤكد على وجود «قوانين خاصة يتم الاحتكام لنصوصها في تقدير العقاب والحقوق، حتى يتم القضاء على اختلاف الأحكام وتعارضها». ويرى الجشي، أن «المجتمع السعودي بحاجة إلى ما يسمى «قانون العقوبات»، موضحاً أنه «يختص بالتجريم، وتحديد العقوبة لكل جريمة تحديداً واضحاً، كما يحتاج إلى «قانون متخصص بتنظيم الحياة الأسرية، وهو ما يطلق عليه «قانون الأحوال الشخصية»، الذي من خلاله يتم تنظيم العلاقات الأسرية، والفصل في الخلافات الناشئة عنها، وكذلك لا بد من وجود قانون مدني محدد يختص بتنظيم علاقات المواطنين في بعضهم، وحفظ حقوقهم والتزاماتهم، على أن يكون مرجع تلك القوانين الشريعة الإسلامية».