أحيت ليبيا أمس الذكرى الثانية لانطلاق الثورة التي أطاحت في العام 2011 نظام العقيد معمر القذافي وسط إجراءات أمنية مشددة تحسباً لأي أعمال عنف. وتخللت الألعاب النارية والأناشيد الثورية هذه الاحتفالات التي شهدتها مدن البلاد كافة منذ الجمعة. وبلغت الاحتفالات ذروتها خلال تجمع أمس في ساحة التحرير في مدينة بنغازي مهد الثورة بحضور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام أعلى سلطة في البلاد وعدد من أعضاء الحكومة. وشهدت المدينة عروضاً لسلاح الجو الليبي إضافة إلى زوارق حربية جابت الشاطئ المقابل لساحة التحرير. وقال المقريف خلال كلمة ألقاها للمناسبة مخاطباً شركاء ليبيا الدوليين أن بلاده «لن تكون مرتعاً ومصدراً للإرهاب وحاضناً له»، بعد حوادث عنيفة شهدتها البلاد وتقارير أشارت إلى فوضى سلاح سادتها بعد إطاحة نظام القذافي وتؤثر على الأمن الإقليمي. وأعلن مبادرة لحوار وطني من أجل «الوفاق» بين القوى السياسية في بلاده. وأضاف أن المؤتمر الوطني العام سيطلق خلال أيام «مبادرة للحوار الوطني لخلق وفاق بين مختلف التيارات السياسية الليبية»، كما أعلن أن المؤتمر سيتخذ قرارات جريئة خلال أيام «ترفع الظلم والجور عن المرأة الليبية». وأشار إلى أن أولى الأولويات هو إصدار «قانون الموازنة للعام الحالي وقانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية»، مضيفاً مع ذلك أن المؤتمر «سيعمل على إصدار التشريعات المهمة لهذه الحقبة وعلى رأسها قانون العزل السياسي وقانون النظام القضائي والمجتمع المدني والقوانين التي تسعى إلى رفع مستوى معيشة المواطن وتضمن رفاهيته». وأكد أن «الإسلام هو دين الدولة وهو المصدر الرئيس للتشريع»، مبيناً ان لجنة الستين التي ستعد الدستور الدائم للبلاد ستضع في حسبانها ذلك «ولن تقر قوانين تخالف شرع الله». واعتبر أن أمن البلاد «ليس مسؤولية الدولة فقط وإنما مسؤولية كل مواطن ومواطنة»، قائلاً ان «ليبيا تدفع كلفة باهظة لتوتر الأمن يأتي في أولها عدم عودة الشركات إلى العمل في ليبيا». وأغلقت الساحة منذ الساعات الأولى لصباح أمس أمام حركة المرور وانتشر عشرات من عناصر أجهزة الأمن لحراسة المكان. وتجرى الاحتفالات وسط إجراءات أمنية مشددة، إذ حذرت السلطات مجدداً من محاولات أنصار النظام السابق استغلال المناسبة «لزرع الفوضى». وتمت تعبئة أجهزة الأمن والجيش والثوار السابقين لتأمين المدن الليبية حيث تعددت نقاط المراقبة، كما أغلقت السلطات حدود البلاد البرية لمدة أربعة أيام كما تم تعليق رحلات جوية دولية عدة. لكن ديبلوماسياً في بنغازي قال إنه رغم الاجراءات المشددة «لا يمكن التكهن بالوضع». وأضاف: «نتخذ كل الاحتياطات ولا يمكن أن نعرف ما يمكن ان يحدث». وقررت مجموعات ومنظمات عدة من المجتمع المدني بينها أنصار للفيديرالية في شرق البلاد، إرجاء تحركاتها الاحتجاجية المقررة أساساً اعتباراً من الجمعة الماضي خشية حدوث أعمال عنف. لكن هذه الأجواء الاحتفالية لم تمنع متظاهرين في بنغازي من انتقاد السلطات الجديدة من خلال المطالبة خصوصاً ب «تصحيح مسار الثورة» وبمزيد من اللامركزية في السلطة وبتفعيل دور الجيش والأجهزة الأمنية. ووفق محتجين، فإن السلطات الجديدة لم تحرز تقدماً في تحقيق «أهداف الثورة». وهم يقولون إن النظام الجديد تأخر في تفعيل العدالة وإطلاق الاقتصاد وصياغة الدستور الجديد الذي سيحدد النظام السياسي للبلاد. وعبر الناشط الحقوقي ناصر الهواري عن أسفه لواقع أن «الديموقراطية التي يطالب بها الليبيون، لا تزال هدفاً بعيداً»، وأن «لا شيء أنجز لتحقيق العدالة الاجتماعية». واعتبر أن «المليشيات المسلحة تراقب أجهزة الدولة وأصبحت طرفاً في عملية اتخاذ القرار»، وهو ما يمثل «أكبر خطر تواجهه البلاد». وتتهم السلطات بأنها فشلت في فرض سيطرتها في مواجهة ميليشيات مسلحة تفرض قوانينها الخاصة، كما فشلت في تشكيل جيش وأجهزة أمن محترفة موحدة. ويعتبر الثوار السابقون المنظمون في شكل ميليشيات مسؤولين عن أجواء انعدام الأمن وعقبة في طريق عملية إعادة بناء الدولة. توقيف أربعة «مبشرين» من جهة أخرى، أوقفت الأجهزة الامنية في بنغازي أربعة أجانب للاشتباه في قيامهم بالتبشير بالمسيحية. وقال الناطق باسم الأمن الوقائي في بنغازي حسين بن حميدة إن «الاجانب الاربعة هم مصري وجنوب افريقي وكوري جنوبي وسويدي يحمل جواز سفر أميركياً». وأضاف أن الأربعة تم توقيفهم الثلثاء الماضي في مطبعة في بنغازي كانت بصدد طبع آلاف المطبوعات التي تدعو إلى اعتناق الدين المسيحي. وشدد على أن «ليبيا بلد جميع سكانه مسلمون والتبشير بأي ديانة أخرى فيه يشكل اعتداء على الأمن الوطني وجريمة بحسب القانون الليبي». وأشار إلى أن التحقيق لا يزال جارياً وأن الموقوفين سيتم تسليمهم قريباً لاجهزة الاستخبارات.