دهمتهم الظروف من كل جانب، وعضهم العوز والعجز وقلة الحيلة، وألقت عليهم الحياة رداء الأحزان، رداء لم يستطيعوا الخروج منه، ولا بوادر لرؤية أطرافه والخروج منه. أسرة وجدت نفسها فجأة في منزل خرب لا يملكونه، بينهم الشاب العاطل والطفل البائس والفتاة المحطمة، تجمعهم صفة الانكسار، وتعرفهم من ملابسهم الرثة وشفاههم الجافة وعيونهم الذابلة. لا رهان لدى أفراد هذه الأسرة بعد الله سبحانه وتعالى، سوى على امرأة ما زالت في مقتبل الحياة، تزوجت لتسهم في تكوين أسرتها الصغيرة، فوجدت نفسها مع زوج عاطل بعد أن أنجبت خمسة أبناء تصف مستقبلهم ب«المظلم»، وإخوة عاجزين عن الإبحار في هذه الحياة. ولا تكاد «أم فارس» تصدق أنها تعيش هذه الحياة، وتبكي عندما تتخيل فقط أن هذا الوضع سيستمر. وتقول: «بدأت مصائبنا بعد وفاة والدي ووالدتي ثم جدي وجدتي، فقد عشنا أياماً حزينة. الله وحده يعلم كيف مرت علينا». وتضيف: «لم تكن أوضاعنا جيدة في المجمل، ولكنها ساءت بعد أن أصبح زوجي عاطلاً عن العمل منذ نحو خمسة أعوام، إذ أصبحنا نجد صعوبة في توفير الحاجات الضرورية لنا». بدأت الأمور تتسارع حتى وجدت أم فارس نفسها عاجزة تعول فقراء، «سكنا في منزل جدي وهو ليس ملكنا، وترك أبنائي المدارس، أما أشقائي فهم عاطلون عن العمل، وينتظرون من يجلب لهم لقمة العيش، ولكن من أين؟»، لافتة إلى أن أبناءها، خصوصاً الصغار لا يعرفون الثلاجة وتنقصهم الكثير من الأساسيات في مقدمها الملابس. وتتابع أم فارس: «أتعذب كل يوم، وتمر علينا بعض الأسابيع ونحن لا نأكل سوى الخبز الذي يشتريه لنا بعض فاعلي الخير، على رغم أن ظروفهم مقاربة لظروفنا، ولا أعرف كيف أسير أموري، فلديّ أمراض عدة تجعلني عاجزة حتى عن الوقوف في أحياناً، وعمدة الحي الذي نسكن فيه يعرف ذلك». وتستطرد: «خلال هذا العام عانينا كثيراً من البرد، فالبيت قديم والهواء البارد يدخله من جميع الاتجاهات حتى من السقف، وليس لدينا وسائل تدفئة، والله وحده يعلم معاناتنا، إلى درجة أن الأمراض الصدرية تتابعت على أبنائي»، مشيرة إلى أن «سقف المنزل متهالك وآيل للسقوط، وهذا بحد ذاته يهدد حياتنا جميعاً». وحول عما إذا كانت عليها ديون، تؤكد أم فارس ذلك، وتستدرك: «لا أحد يطالبني بها، نحن لا نجد ما يسد جوعنا، فكيف نسدد ما علينا من ديون؟». وتناشد أم فارس المسؤولين في الجهات الحكومية ذات الصلة التدخل لتحسين أوضاعهم في أقرب وقت ممكن، موضحة أنها لم تعد قادرة على احتمال أن ترى وضعها وأبناءها بهذا الشكل، كما تأمل من الميسورين وفاعلي الخير التواصل مع شيخ الحي الذي تسكن فيه، لتقديم المساعدات، «نريد ما يسترنا الآن، كما أتمنى أن يعود أبنائي إلى المدارس، فإذا استمر هذا الوضع فإن حاضرهم سيء ومستقبلهم أسوأ».