تتكرر اليوم (الجمعة) مشاهد انقسام الميادين بين الموالاة والمعارضة، الأمر الذي يرسخ الاستقطاب وينذر باندلاع أعمال عنف على نطاق واسع، فبينما تراوح الأزمة السياسية مكانها، قرر الأطراف اللجوء إلى الشارع لاستعراض القوة، فتتظاهر جماعة الإخوان المسلمين في ميدان النهضة في محافظة الجيزة، القريب من ميدان التحرير، الذي سيكون بالإضافة إلى قصر القبة الرئاسي قبلةً لاستقبال المعارضين المطالبين بإسقاط النظام، فيما التزم حزب النور السلفي الحياد، فأبى المشاركة في أي من الفاعليات أملاً في لعب دور الوسيط بين الفرقاء. يأتي ذلك في وقت استمر الجدل أمس حول لغز مقتل الناشط السياسي محمد الجندي، بعدما أكدت شركات الهواتف النقالة الثلاث العاملة في مصر، أن الجندي استعمل هاتفه النقال يوم 27 الشهر الماضي في محيط ميدان التحرير، ما ينفي رواية زملائه الذين يؤكدون أنه في هذا التوقيت كان محتجزاً في أحد مقرات الأمن المركزي. واستعد ميدان التحرير أمس لاستقبال مسيرات المعارضة التي ستخرج من مساجد «مصطفى محمود» و «الفتح» ضمن فاعليات مليونية «كش ملك»، في إشارة إلى رحيل الرئيس المصري محمد مرسي، حيث زادت أعداد المعتصمين، فيما بدأ النشطاء مساء أمس في نصب المنصات، وتسيير لجان تفتيش على أطراف الميدان. وسيشارك في التظاهرات شباب «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تمثل قوى المعارضة المصرية، إضافة إلى قوى ثورية، فيما دعت مجموعات «بلاك بلوك» إلى التظاهر أمام «قصر القبة» الرئاسي (شرق القاهرة) ل «إسقاط النظام». وفتح المعتصمون في ميدان التحرير أمس أبواب مجمع التحرير أمام المواطنين والموظفين بعد إغلاقه لمدة أربعة أيام، حيث تقاطرت عليه المئات من المواطنين الراغبين في إنجاز معاملاتهم في مختلف الإدارات، خصوصاً الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية، التي شهدت «تكدس» أعداد كبيرة من المواطنين داخلها. وقالت صفحة منسوبة لجماعة «بلاك بلوك» على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك): «اليوم تظاهر واحتشاد واعتصام أمام قصر القبة مقر عمل (الرئيس المصري محمد) مرسي، لا تجمُّعَ أمام الاتحادية (مقر الرئاسة بشمال القاهرة)، لا تذهب للاتحادية.. مرسي في القبة»، وحضت في بيانٍ أعضاءها «على ضرورة تجهيز أكبر عدد ممكن من زجاجات المولوتوف، وأكبر عدد ممكن من كاوتش (إطارات) السيارات»، معتبرة أن تلك التجهيزات ستمثِّل عائقاً أمام مدرعات الشرطة. ودعا اتحاد شباب الثورة إلى الاحتشاد في ميدان التحرير ل «تحقيق أهداف الثورة أو رحيل النظام»، ورأى الاتحاد أن النظام الحالي لم يختلف كثيراً عن السابق، حيث ما زال يستخدم أداوات البطش والقمع السابقة ذاتها، إضافة إلى استخدامه وزارة الداخلية كأداة لتصفية النشطاء والثوار. في المقابل، تحتشد جماعة الإخوان المسلمين في ميدان النهضة في محافظة الجيزة ضمن فاعليات ما يسمى ب «مليونية معاً ضد العنف»، والتي كانت دعت إليها الجماعة الإسلامية، وأعلن المتحدث باسمها خالد الشريف أن الجماعة أنهت استعدادها للمليونية، وتأمينها سيكون عبر لجان أمنية تشدِّد على مداخل جامعة القاهرة والشوارع المحيطة بها ومخارجها، مؤكداً أن الجماعة ثمنت ورحبت بقرار جماعة الإخوان المشاركة في المليونية. وأوضح الشريف أن المليونية تحمل هدفاً نبيلاً هو نبذ العنف واستكمال مسيرة الثورة، وتوجيه رسائل محددة للقوى السياسية التي تعطي غطاءً سياسياً للعنف، أولها أنه لا يمكن تغيير النظام الحاكم بالعنف ولا بالحرق ولا قنابل المولوتوف، مشيراً إلى أن من جاء من خلال صناديق انتخابية حرة لا يرحل إلا بصندوق انتخابي. في المقابل، أعلن حزبا «النور» و «الأصالة» السلفي عدم الاشتراك في تظاهرات اليوم، والخطوة نفسها اتخذتها «حركة شباب 6 أبريل»، التي بررت قرارها ب «حرصنا على عدم المساعدة في تحفيز الاستقطاب بين المصريين، مع عدم وضوح الرؤية واختلاط المطالب»، وأشارت إلى أنها تعمل حالياً على تجهيز فاعليات أخرى مبتكرة تخدم الوطن، وتضغط لتحقيق مطالبنا، وتبتعد عن التكرار الذي لا يوجد له مردود حالياً. من جهة أخرى، أكدت وزارة الداخلية المصرية إيمانها الكامل بحرية التعبير السلمي عن الرأي والتزامها بحماية المتظاهرين السلميين وتأمين المنشآت العامة والخاصة، وأنها حريصة على أن يخرج مشهد التظاهرات بعيداً من أي مظاهر للعنف أو التعدي على المنشآت أو القوات، ودعت في بيان لها أمس كل القوى السياسية والثورية الاضطلاع بدورها الوطني والحرص على أن تخرج فاعليات تلك التظاهرات في مشهد يرسخ أسس التعبير السلمي عن الرأي. كما طالب رئيس حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتني المتظاهرين بالالتزام بسلمية التظاهرات، والمحافظة على المنشآت، وأن لا تتحول التظاهرات السلمية للتعبير عن الرأي إلى أحداث عنف. وأكد خلال لقائه مجموعة من الصحافيين اليابانيين أمس، أن التظاهر السلمي حق مشروع، والعنف أمر مرفوض، وشدد أمس على ضرورة وجود جهاز قوي للشرطة يحفظ النظام ويطبق القانون ويحافظ على المنشآت العامة والخاصة، وأنه يرفض في الوقت نفسه أي انتهاكات من جانب أفراد الشرطة تجاه المدنيين والمتظاهرين السلميين، موضحاً أن الحزب سبق وأدان هذه الانتهاكات من قبل، وطالب بتحويل المسؤولين عن هذه التصرفات للتحقيقات، لأنه لا يوجد أحد فوق القانون. في غضون ذلك فجرت تحقيقات نيابة قصر النيل مفاجأة جديدة في قضية وفاة الناشط السياسي محمد الجندي، حيث تسلمت النيابة صباح أمس 3 مذكرات من شركات الهاتف الخليوي الكبرى الثلاث أكدت جميعها أن جميع المكالمات التي أجراها الجندي وكذلك التي تلقاها خلال الفترة من 26 كانون الثاني (يناير) حتى صباح 28 كانون الثاني (يناير)، تمت جميعها من منطقة ميدان عبد المنعم رياض، ثم انقطع إرسال هاتفه الساعة 12.30 ظهر يوم 28 كانون الثاني. وأضاف مدير نيابة قصر النيل عمرو عوض، أن أسرة الجندي أبلغت عن اختطافه داخل معسكر الأمن المركزي في منطقة الجبل الأحمر يوم 27 كانون الثاني (يناير)، إلا أن شركات الهاتف الخليوي الكبرى أكدت وجوده في ذلك اليوم بميدان عبد المنعم رياض. كما فجر شاهد الإثبات الوحيد في قضية مقتل الجندي مفاجأة جديدة تمثلت بتغيير إفادته الأولى، بعدما انتقل مع فريق من نيابة قصر النيل برئاسة مدير النيابة عمرو عوض إلى منطقة الجبل الأحمر لإرشادهم إلى مكان معسكر الأمن المركزي الذي أكد أثناء التحقيقات الأولى معه أنه شاهد الناشط السياسي وهو يتعرض للتعذيب في داخله على يد قوات الشرطة. وفور انتهاء التحقيقات مع الشاهد، انتقلت معه النيابة لمعاينة المكان الذي تحدث عنه، ولدى وصولهم إلى معسكر الأمن لتحديد الأشخاص الذين قاموا بتعذيب الجندي، نفى الشاهد مشاهدته هذا المكان من قبل. على صعيد آخر، قرر المستشار محمد مزيد قاضي معارضات في مجمع المحاكم بطنطا الإفراج عن 33 شخصاً اعتقلوا في أحداث الشغب التي شهدتها مدينتا كفر الزيات وطنطا.