تجددت المواجهات العنيفة بين الشرطة والمتظاهرين في محيط ميدان التحرير في القاهرة، أمس، بعد يومين من الهدوء، على خلفية تشييع جنازة ناشطين في «التيار الشعبي» - الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي - قُتل أحدهما في ظروف غامضة، وسط اتهامات من المعارضة وأسرته للشرطة باعتقاله وتعذيبه حتى الموت، فيما لقي ناشط آخر في التيار مصرعه نتيجة اصابته خلال المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في محيط قصر الاتحادية يوم الجمعة الماضي. وفي وقت تراجع حلفاء الرئيس محمد مرسي عن تنظيم تظاهرات مؤيدة له يوم الجمعة المقبل أمام مسجد رابعة العدوية القريب من قصر الاتحادية الرئاسي، قررت «جبهة الإنقاذ» المعارضة تنظيم احتجاجات في ذلك اليوم تتخللها مسيرات يُعد شباب الجبهة خط سيرها. وتوفي أمس الناشط في التيار الشعبي في مدينة طنطا محمد الجندي الذي اختفى خلال احتجاجات نظمتها المعارضة في الذكرى الثانية لثورة يناير، قبل أن يظهر بعد أيام في مستشفى الهلال في رمسيس وبدت عليه آثار ضرب وتعذيب، وكان في حال خطرة. وقالت والدته إن معتقلين من زملائه أبلغوها أثناء اختفائه أنه موقوف في معسكر «الجبل الأحمر» التابع للأمن المركزي، وأنه يخضع للتعذيب ومصاب بإصابات خطرة، وقبل أن يظهر الجندي في المستشفى اتهمت أسرته و «التيار الشعبي» الشرطة بخطفه وتعذيبه، وكان وصل المستشفى في حال موت اكلينيكي، قبل أن يفارق الحياة مساء أول من أمس. وقالت صفحة «كلنا خالد سعيد» على شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، إن التقرير الطبي للجندي يشير إلى آثار تعذيب بالكهرباء على لسانه وكي بالنار لظهره وبطنه وضرب بآلات حادة في الوجه والبطن والظهر والساقين. وأكدت أن الجندي اعتقل ضمن 23 متظاهراً من قبل قوات وزارة الداخلية التي لم تنف توقيفه، والتزمت الصمت أمام تلك الاتهامات. كما توفي أمس الناشط في «التيار الشعبي» عمرو سعد الذي جرح خلال المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين أمام قصر الاتحادية الرئاسي يوم الجمعة الماضي، وخضع للعلاج في مستشفى هليوبوليس القريب من القصر، لكنه فارق الحياة صباحاً. ونعى «التيار الشعبي» اثنين من «زهرة شباب الثورة المصرية استشهدا غدراً في تظاهرات شعارها السلمية». واتهم الشرطة بتعذيب الجندي حتى الموت، محملاً رئيس الجمهورية محمد مرسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم المسؤولية السياسية والجنائية عن «دمائهما الطاهرة»، متعهداً اللجوء إلى القضاء للحصول على القصاص العادل. وبوفاة سعد يرتفع عدد ضحايا اشتباكات الاتحادية إلى 3 قتلى وعشرات الجرحى. وأظهرت الاحتجاجات الأخيرة زيادة العنف من قبل الشرطة ضد المتظاهرين، وهو ما انعكس في مشهد سحل متظاهر عارياً وضربه ضرباً مبرحاً في الشارع، ما دفع النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود إلى طلب انتداب قاضي تحقيق مستقل في هذه الواقعة بعدما بدا أن ضغوطا مورست على المواطن حمادة صابر لاتهام المتظاهرين بسحله قبل أن يبرئهم ويتهم الشرطة. وكان رئيس الجمهورية محمد مرسي عقد اجتماعاً أمس مع المجلس الأعلى للشرطة لاستعراض الأوضاع الأمنية في الشارع المصري، وأكد خلال الاجتماع ضرورة تطبيق القانون على من يقومون بالتخريب مع احترام التظاهر السلمي وحرية التعبير عن الرأي. وأعلنت رئاسة الجمهورية أنها تجري اتصالات مع مكتب النائب العام لمتابعة الأسباب التي أدت إلى وفاة الناشط محمد الجندي. وأكدت في بيان أن «لا عودة لانتهاك حقوق المواطنين وحرياتهم العامة والخاصة في ظل دولة الدستور وبعد ثورة 25 يناير». وشيّع آلاف الغاضبين أمس من مسجد عمر مكرم المطل على ميدان التحرير الجندي وسعد وسط أجواء احتقان من ملابسات مقتل الجندي تحديداً، وردد المشيعون هتافات ضد وزارة الداخلية والرئيس مرسي وجماعة «الإخوان المسلمين»، متعهدين القصاص للجندي وسعد. وشارك حمدين صباحي في تشييع القتيلين. في غضون ذلك، تجددت الاشتباكات العنيفة بين الأمن والمتظاهرين على كورنيش النيل. ورشق متظاهرون قوات الشرطة بالحجارة وزجاجات المولوتوف، فيما ردت الشرطة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على الحشود لتفريقها، وأوقفت الشرطة عشرات المتظاهرين واعتقلتهم. وحطم المتظاهرون بعد تشييع جنازة الجندي وسعد سيارة للشرطة خلال هذه المواجهات. وأعلن شباب «جبهة الإنقاذ» التظاهر يوم الجمعة المقبل للمطالبة بالقصاص من قتلة المتظاهرين، وأعلنوا اعتزامهم تنظيم مسيرات لم يحددوا وجهتها، وسط توقعات بالتظاهر أمام قصر الرئاسة مجدداً، فضلا عن إطلاق حملة «إخوان كاذبون» في أحياء القاهرة. في المقابل، تراجع حلفاء الرئيس مرسي عن تنظيم تظاهرات تأييداً له يوم الجمعة المقبل. وكانت الجماعة الإسلامية أعلنت اعتزامها التظاهر أمام مسجد رابعة العدوية، ما أثار مخاوف من حدوث اشتباكات بين مؤيدي مرسي ومعارضيه، لكن الجماعة أعلنت أمس إرجاء تظاهراتها إلى يوم 15 شباط (فبراير) الجاري. وقال القيادي في الجماعة صفوت عبدالغني خلال مؤتمر صحافي أمس إن هناك حاجة للوجود الشعبي في الشارع للحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، مضيفاً: «لا يصح أن يترك الوطن والمواطن في أيد عابثة تريد تدمير وتخريب كل شيء وهدم الدولة ومؤسساتها»، معتبراً أن وجود الإسلاميين في الشارع «سيجعل أصحاب العنف وأصحاب دعوات التخريب يراجعون حساباتهم». وقال: «لا أرى سياسة أمنية واضحة للتعامل مع العنف والتخريب، وعلى الرئاسة والأمن أن يعلنا عن سياسة أمنية واضحة تقوم على الردع والحزم والحسم في إطار العدالة والقانون». وأكد أن وجود الإسلاميين في الشارع «ليس بغرض الاشتباك مع أحد، ولكن للحفاظ على الوطن والمواطن». وهاجم «جبهة الإنقاذ»، معتبراً أنها «سقطت وانعزلت عن الشارع، لأن سياستها تقوم على إسقاط الشرعية وهدم المؤسسات، وهم غير جادين في مسألة نبذ العنف، بل إنهم المحرضون الفعليون على العنف والتخريب». وقال: «القوى الإسلامية مصرة على تنظيم مليونية بكل قوة وشجاعة وسلمية، ولكن بعد تشاورات تم التأكيد على تنظيمها يوم 15 شباط (فبراير) في ميدان النهضة أمام جامعة القاهرة إن لم تتراجع دعوات العنف».