في وقت اكتسبت خطة رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي لتشكيل حكومة تكنوقراط للخروج من الأزمة السياسية المحتدمة زخماً محلياً ودولياً، تراجعت حركة النهضة الإسلامية الحاكمة جزئياً عن رفضها التام للخطوة، متوقعة على لسان رئيسها راشد الغنوشي تشكيل حكومة «تشترك فيها الكفاءات والتيارات السياسية» خلال أيام، وإن لم تستبعد الانسحاب من الحكم إن أصر الجبالي على خطته. وقال الغنوشي، في مقابلة مع وكالة «رويترز»، إن حركته لا توافق على اقتراح الجبالي، وان «هناك مشروع حكومة سياسية ستعرض على رئيس الحكومة للدخول معه في حوار من أجل الوصول إلى تركيبة فيها سياسيون وكفاءات». ورأى أنه «لم يعد هناك متسع من الوقت... سيتم اعلان حكومة ائتلاف هذا الأسبوع على أقصى تقدير وسيتم تعيين الجبالي على رأسها». وذكر أن «كل الوزارات ستكون محل تفاوض ضمن حكومة ائتلاف بما فيها وزارات الداخلية والخارجية والعدل والدفاع». ورأى أن الحل لتونس يكمن في توافق سياسي بين مختلف الأطراف، مستبعداً أن تكون حكومة التكنوقراط قادرة على مواجهة مشاكل البلاد. ورداً على سؤال عن امكان خروج «النهضة» من الحكم نهائياً إذا أصر الجبالي على المضى قدماً في تشكيل حكومة تكنوقراط، قال الغنوشي: «هذا ممكن طبعاً». واضطر الغنوشي إلى هذا التراجع الجزئي بعد تمسك الجبالي الذي يتولى أيضاً منصب الأمين العام ل «النهضة» بمبادرة تشكيل حكومة تكنوقراط وتهديده بالاستقالة إذا لم تجد حكومته الدعم السياسي من الأحزاب المكونة للمجلس التأسيسي والذي تحتل فيه «النهضة» النصيب الأكبر. ويجري رئيس الحكومة مشاورات مكثفة في الداخل والخارج لحشد التأييد والدعم السياسي لحكومته المرتقبة. فبعد أن عقد سلسلة من اللقاءات مع عدد من سفراء الدول الكبرى والمؤثرة، بينهم سفراء اميركا وفرنسا وبريطانيا والجزائر والمغرب وروسيا وألمانيا، اجتمع مع «مجلس حكماء تونس» الذي يضم شخصيات بارزة من وزراء سابقين ومفكرين وأساتذة قانون. ويشير مراقبون إلى أن الجبالي أصبح يحظى بدعم من الدول الكبرى إضافة إلى دعم أحزاب المعارضة الرئيسة وشخصيات مستقلة بارزة مثل الوزير السابق منصور معلى والمناضل مصطفى الفيلالي والمفكر هشام جعيط والناشط الإسلامي عبدالفتاح مورو وخبراء قانون مثل عياض بن عاشور وقيس سعيد، إلى جانب دعم المؤسسة العسكرية خصوصاً وزير الدفاع الحالي عبدالكريم الزبيدي وقائد أركان الجيوش الثلاثة الجنرال رشيد عمار. ولفتت مصادر حكومية إلى أن الجبالي بصدد تلقي اقتراحات الأحزاب والشخصيات للكفاءات التي ستتقلد المناصب الوزارية في الحكومة المتوقع إعلانها قبل نهاية الأسبوع الجاري. ويبدو من خلال اجتماع الجبالي ب «مجلس حكماء تونس» أنه ماض في تشكيل حكومته الجديدة رغم الدعوات المتتالية من حركته «النهضة» ومن حزب الرئيس منصف المرزوقي «المؤتمر من أجل الجمهورية» إلى الرجوع إلى التحالف الحكومي الذي بات في وضع المُنهار لإيجاد توافق لتشكيل حكومة وحدة. وأعلنت أمس أكبر منظمة لأرباب العمل في تونس مساندة مبادرة الجبالي للخروج بالبلاد من الأزمة التي أججها اغتيال المعارض البارز ل «النهضة» شكري بلعيد الأسبوع الماضي. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن «الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية» قوله في بيان ان «خيار تكوين حكومة كفاءات وطنية... أرضية جيدة للخروج بالبلاد من الأزمة الحالية التي تعيشها». وتعهد «العمل على مساعدة الفريق الحكومي (التكنوقراط) قدر المستطاع بغض النظر عن الأسماء التي سيتكون منها». ولفت إلى أن «بعض الوزارات (في الحكومة الحالية) ذات الطابع التقني، كان أداؤها في الفترة الماضية مهزوزاً، ولم يتسن للاتحاد التعامل معها بصفة مجدية». وشدد على «حاجة هذه الوزارات إلى شخصيات مشهود لها بالكفاءة والخبرة، وقادرة على تجاوز نقاط الضعف القائمة في أقرب الآجال».