تحدّي «سطل الماء المثلج» كان الهدف منه إبراز حالات مرضى يعانون في صمت من أذى التصلّب العضلي الجانبي، وجمع المال من أجل محاربة هذا المرض الخطير. وتزامن إطلاق هذا التحدي مع حرب غزة، فكانت الخطوة مماثلة لكن السطل كان مملوءاً بالتراب للتعبير عن معاناة غزة. وشارك في التحدي مشاهير وأشخاص عاديون في أكثر من بلد عبر العالم. في الوطن العربي احتضن موقع «فايسبوك» تحدياً من نوع آخر للتعبير عن أزمة من جملة أزمات لا منتهية ترهق شعوبه هي أزمة القراءة، فكانت الفكرة «تحدي قراءة عشرة كتب» وكان التفاعل ما بين رواد «فايسبوك» من المحيط إلى الخليج. أزمة قراءة ويرتكز التحدي على فكرة تقديم عشرة كتب اثرت في الشخص، مع ارسال دعوة لعشرة اصدقاء في الشبكة التواصلية لتقديم الكتب العشرة الاكثر تأثيراً في افكارهم ورؤيتهم للحياة، هذا التحدي خلق حواراً ونقاشاً أولاً حول الكتب المقروءة، أيضاً حول ازمة القراءة في الوطن العربي وتراجع نسبية المقروئية حتى بين المثقفين. هذه الأزمة تترجمها أرقام تقرير التنمية البشرية التي تشير الى ان المواطن في الدول العربية يقرأ حوالى 10 دقائق في كتاب في السنة في مقابل 12 ألف دقيقة للمواطن أوروبي. وفي هذا السياق يقول الكاتب والاعلامي الجزائري نجيب بلحيمر إن «تحدي الكتب العشرة الذي لجأ إليه بعض رواد فايسبوك يكشف عن شعور النخب بخطورة الوضع الثقافي في مجتمعتنا، وعدم الإقبال على القراءة يمثل أحد تجليات التدهور الثقافي كما أنه يساهم في تكريسه». العزوف عن القراءة في الوطن العربي، والذي كان المحرك لفكرة تحدي «الكتب العشرة»، ترتب عليه تخبط المجتمعات العربية في مشاكل متعددة الأوجه. ويلفت بلحيمر الى ان جزءاً كبيراً من النخبة يعتقد أن العزوف عن القراءة هو سبب المآسي السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها المجتمعات العربية، فالمجتمعات التي لا تقرأ لا يمكن أن تحقق النهضة، وهذا يعني أن الفكرة تخفي رغبة النخب المتعلمة في الحث على القراءة من أجل تغيير المجتمع». لكن هناك من يخالف طرح وجود أزمة قراءة في الوطن العربي، بل يذهب الى ان هناك نسبة مقروئية محترمة، لكن الاعتقاد السائد بان العربي لا يقرأ هو من شوه هذه الصورة. ويقول الكاتب والاعلامي الجزائري سعيد خطيبي: «عندما نتعرّف الى أشخاص جدد، يخطر ببالنا أن نطرح عليهم أسئلة شخصيّة، لكن لا نفكر في سؤالهم عن عناوين الكتب التي يحبذون قراءتها، من قناعة سلبيّة توارثتها الذهنية العربية تفيد بأن العربي لا يقرأ، وإن قرأ فإنما يكتفي فقط بالكتاب المقدّس، هذه المُسلمة روّج لها الاعلام طويلاً، استناداً الى معاينات سريعة وليس وفقاً لأرقام وإحصاءات دقيقة، فالعربي يقرأ، ولم يتخل عن الكتاب زمن التكنولوجيا، لكن الكاميرات لا تنتبه إليه سوى لما ينتفض أو يتطرّف». تفاعل واسع مع التحدي وإن كانت الاراقم والآراء تتقاطع عند مسلمة ان العربي لا يميل الى القراءة، إلا ان إطلاق تحدي قراءة عشرة كتب تفاعل معه رواد «فايسبوك» بشكل واسع وكشف عن مسلمة انه لا يجب التعميم لأن هناك في الوطن العربي من يقرأ، بل مهووس بفعل القراءة، وعن هذا التحدي يقول خطيبي: «في وقت قياسي خرج الآلاف من المنتسبين الى الموقع الأزرق من سباتهم الثّقافي، وكشفوا عن ميولهم في القراءة، وأدرك البعض أن لهم أصدقاء افتراضيين أو حقيقيين يقرأون كتباً فكريّة أو فلسفيّة أو دينيّة أو ماركسيّة، لم يكونوا على علم بها سلفاً». أما الاعلامية سمرا فرحات فتحدتث عن تجربتها مع هذا التحدي بالقول: «لأنه لطالما اتهمنا بأننا أمة لا تقرأ جاء هذا التحدي ليظهر لنا ان ثمة وعياً كبيراً بدأ ينتشر بضرورة قراءة كل ما يقع تحت أيدينا. لقد تحمست لدخول التحدي واشركت أصدقائي فيه حتى نساهم في تحفيز أخرين من الشباب والشابات رواد فايسبوك على القراءة ايضاً». المشاركون في التحدي يعتبرون ان التجربة لم تكن فقط مفيدة للتحفيز على القراءة، بل ايضاً كانت فرصة للتعرف الى عناوين كتب لم يسبق ان تعرفوا اليها. وتقول فرحات: «عناوين الكتب متنوعة وثرية، وتعرفت الى كتب لم اسمع بها من قبل من خلال اطلاعي على ما نشر من تحديات على الهاشتاغ». أما الاعلامية والقاصة فايزة مصطفى فتقول بهذا الخصوص: «ما جلب انتباهي تلك التقاطعات في القراءات، اذ تقاسم العديد من الاصدقاء العناوين نفسها، بل والاهتمامات في القضايا الفكرية والأدبية والسياسية... كما التقى الكثيرون في الروايات نفسها التي شكلت قراءاتنا الأولى، كالمنفلوطي وجبران خليل جبران، ونجيب محفوظ وغيرهم». وان كانت الفكرة تفاعل معها الكثير ودعموها من خلال دعوة اصدقائهم في الفضاء الافتراضي الى المشاركة فيها، إلا ان البعض كان لهم رأي آخر في التحدي على غرار المختص في مواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي «تحدي الكتاب وإن كان يحمل بعداً قيماً ويعالج مشكلة مقلقة قي عالمنا العربي وهي إشكالية القراءة والأمية التي أصبحت بعبعاً مخيفاً إلا أنها لم تكن ذات تأثير كبير، الفكرة كانت جميلة لكن التعبير عنها لم يناسب الفكرة فمثلاً لو تم الاتفاق على تسليم الكتب العشرة الأكثر تأثيراً إلى المكتبات في كل بلدية وتم توثيق الحدث بالصورة لأخذت بعداً اجتماعياً أكثر ولتفاعلت معها وسائل الإعلام الاجتماعي المختلفة». محصلة آراء الذين تفاعلوا مع تحدي الكتب العشرة، وحتى الذين لم يتفاعلوا معها أو كان تفاعلهم محدوداً، تفيد بأن في الوطن العربي أزمة قراءة كبيرة في أوساط الشباب، مع وجود بالطبع من يقرأون، وهو ما كشف عنه تفاعل رواد «فايسبوك» مع هذا التحدي الذي لا يمكن إلا ان يُثمن.