ثلاثة أخبار توالت على الشاشة. اغتيال القيادي التونسي المعارض شكري بلعيد ومسارعة المحيطين به الى تحميل حركة «النهضة» المسؤولية. الفتوى التي صدرت في مصر وأباحت قتل رموز «جبهة الإنقاذ الوطني». سلسلة تفجيرات في اليمن يُعتقد أنها من صنع «القاعدة». لا أزعم أن أخبار الاغتيالات أو التهديد بها فاجأتني أو أصابتني بالذعر. أنا من بلد ينام على كمية محترمة من الاغتيالات ما أكسبني خبرة في تلقي أنبائها وما يمكن أن يعقبها من جنازات وتصدعات. لكن ما يربط بين الأخبار الثلاثة هو أنها تأتي من بلدان أصابها «الربيع العربي» وأطاح فيها النظام أو المستبد على الأقل. شاءت الصدفة أن أكون في عمّان حين نقلت الشاشات هذه الأخبار. كان أول ما تبادر إلى ذهني هل نجا الأردن من «الربيع العربي» الذي لفحه؟ ولماذا تبدو عمّان الآن أقل توتراً مما كانت عليه حين زرتها قبل ثمانية أشهر؟ وهل في تجربة الأردن الأخيرة ما يمكن أن يفيد الدول التي قد يطرق الربيع أبوابها وشوارعها؟ طبعاً مع الالتفات الى أن رياح «الربيع العربي» لم تغادر المنطقة. وثمة من يعتقد أن ما شهدناه هو بدايات مخاض قد يمتد سنوات طويلة وأن دول المنطقة ستظل قيد الامتحان لفترة غير قصيرة. أصيب رداء الاستقرار السابق بثقوب قاتلة تشمل الهيبة والشرعية والتوازنات في الداخل والخارج. حملتُ الأسئلة إلى من التقيتهم وكانت الحصيلة التالية. أثارت حركة الاحتجاجات في البداية مخاوف من أن يكون الأردن قد انزلق في طريق لا عودة عنه. وكما في حالات من هذا النوع كان هناك من يعتقد بوجوب جبه العاصفة بالحزم قبل استفحالها والتعامل معها كزائر وافد من الخارج أو بتشجيع منه. وثمة من رأى أن الحل يكون بمرونة شكلية مع بعض المطالب مع التذكير بالقبضة الأمنية. في هذا الوقت وسّع الملك عبدالله الثاني مشاوراته الداخلية بالتوازي مع متابعة ما شهدته مسارح «الربيع العربي». كان القرار الأول عدم اعتبار الاحتجاجات مؤامرة خارجية والتعامل معها بالالتفات الى أسبابها السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلد قليل الموارد. وكان القرار الثاني عدم السماح بإراقة دم المحتجين والدخول في دورة القتل والجنازات والشهداء. وكان القرار الثالث السعي الى حماية الاستقرار بإحداث التغيير لا بالانتظار، وتحويل الاحتجاجات فرصة لتسريع الإصلاحات التي كانت بطيئة في العقد الماضي. وما كان لهذه القرارات أن تُتَّخَذ وتُنَفَّذ لولا قناعة الملك «ان المُلك الذي سيورّثه لنجله سيكون مختلفاً عن المُلك الذي ورثه عن أبيه»، وأن ما يصلح في مرحلة لا يصلح في أخرى. هكذا ذهب الأردن الى تعديلات دستورية واسعة، وإلى انتخابات نيابية أكد المراقبون الدوليون نزاهتها في توجه صريح الى إعطاء المجلس الدور الأول في اختيار رئيس الوزراء ومحاسبة حكومته. لم تكن الشهور الماضية سهلة فقد اضطرت الحكومة، وقبل الانتخابات، الى رفع الدعم عن المحروقات ونجحت في احتواء احتجاجات صاخبة ومن دون إراقة دماء ايضاً. قبل شهور ضاعفت انتصارات الربيع في مصر وليبيا وتونس واليمن رغبة «الإخوان» في الأردن في مخاطبة الحكم من موقع قوة واشتراط، وهو ما انتهى بمقاطعتهم الانتخابات. الأخبار الوافدة الآن من مسارح «الربيع العربي»، خصوصاً سورية، لا تصب في مصلحتهم ولا تشجّع الأردنيين على المجازفة باستقرار البلد المطوّق بزنار النار. لا بد من الانتظار لاختبار مقدار نجاح الوصفة الأردنية التي جنّبت البلاد حتى الآن العنف السوري والاضطراب المصري والذعر التونسي وزمن الميليشيات الليبية.