دعا الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي ورئيس معهد ابحاث الامن القومي عاموس يدلين "الحكومة الاسرائيلية وقيادة الجيش النظر باهتمام شديد الى خطر التصعيد المتزايد تجاه حزب الله باعتبار ان كل قدرة عملية ووسائل قتالية في حوزة سورية او في ايران قد تصل، او وصلت الى حزب الله، وهو امر يعرض المصالح الامنية الهامة في اسرائيل للخطر". وفي استعراضه لما تسميه اسرائيل المخاطر المحدقة بأمنها ومستقبلها تجاه الجبهة الشمالية، خاصة حزب الله، رفض يدلين اعتبار السؤال الذي يطرح "اذا تعمل اسرائيل ضد تعاظم وتهديدات العدو بتوجيه ضربة وقائية عسكرية" سؤالاً تافهاً، وقال بانه "يوجد مفهومان مختلفان حول هذا الموضوع الاول، وهو المفهوم السلبي، ويتبناه من عارض الهجوم على المفاعل العراقي عام 1981 ومن لم يصادق على الاعمال ضد تعاظم حزب الله بعد الانسحاب من لبنان عام 2000 أو بعد حرب لبنان الثانية في 2006، واصحاب هذا المفهوم يرون انه لا توجد قدرة على معالجة كل التهديدات وبان معالجتها قد تصعب الامر الى درجة حرب بل وتزيد دافع العدو للعمل على بناء قوته". وفي هذا الجانب، اضاف يدلين "هدف اسرائيل هو الحصول على فترات هدوء طويلة المدى وبالتالي ليس صحيحاً العمل ضد التعاظم وتقليص فترات الهدوء بل ان بناء قوة ردع والتصدي لقدرات العدو وشل فعالتها لا يتم الا عندما يهاجم العدو اسرائيل". اما المفهوم الثاني، الذي اسماه يدلين "المفهوم الفاعل"، فهذا يدعي اصحابه بأن تجاهل التهديدات المستقبلية وبناء القوة من شأنه ان يجبي من اسرائيل ثمناً باهظاً، أو حتى يهدد مجرد وجودها، مما يستدعي العمل على "ازالة التهديد المحتمل حتى بثمن احتمالات الرد والتصعيد". ويبرر يدلين موقف اصحاب هذا المفهوم باستعراضه حرب لبنان الثانية وحربي غزة قائلاً:"في العقد الماضي أدارت اسرائيل ثلاث حملات كبرى ضد منظمات الارهاب ، على حد تعبيره، في عام 2006 حيال حزب الله في لبنان وفي 2009 و 2012 ضد حماس في قطاع غزة. في كل واحدة من هذه المواجهات لم تكن نية لتحقيق نصر ساحق وهذه أيضا لم تكن اهداف الحملات. فقد استهدفت هذه الحملات تحقيق هدوء في الشمال وفي الجنوب وتعزيز الردع الاسرائيلي. ومع ذلك، ففي الحالات الثلاث كان واضحا بانه يجب ان يعالج ايضا التعاظم المستقبلي لمنظمات الارهاب بعد الوصول الى وقف النار. في حينه ، كان يفترض بان تكون اليات معالجة التعاظم جزءا من اتفاقات وقف النار، في حالة حزب الله، قرار الاممالمتحدة 1701، وفي حالة رصاص مصبوب - قرار 1860 والتعهد المصري والامريكي. وقد فشلت الاليتان بشكل تام. اما حرب غزة عام 2012 فلم يكن حتى مظهر خارجي لوجود آلية لمعالجة التعاظم، وهكذا بقي الموضوع كمعضلة استراتيجية وعملياتية على طاولة اصحاب القرار في اسرائيل، على حد راي يدلين. وبراي الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية، هناك اربعة اعتبارات مركزية في نقاش موضوع اذا يجب مواجهة القدرات العسكرية للعدو: 1. وجود قدرة استخبارية وعملياتية لوقف التعاظم. وبدون هذه القدرة، لا معنى للاعتبارات الاخرى. 2. تقويم قيم العمل الوقائي، وهنا يقول يدلين:" واضح ان لا معنى للمخاطرة بالتصعيد وبرد العدو اذا لم يكن احباط التعاظم ذا قيمة. ومع ذلك، فان تعاظما ذا مغزى استراتيجي وقدرات غير تقليدية ومنظومات دفاع جوي متطورة وصواريخ بعيدة المدى، هو هدف يستوجب النظر باهتمام شديد في امكانية احباطه. 3. الكلفة والمخاطر من العملية. وهنا يتساءل يدلين اذا تكون المخاطر من العملية احتمالات التصعيد، ويقول:" الكشف عن مصادر الاستخبارات والقدرات العملياتية، تبرر الانجاز من العملية الوقائية. ما هو الميزان بينهما وبين الكلفة والمخاطر من عدم اتخاذ عمل وقائي والامتناع عن ضرب تعاظم العدو؟ واضح أنه من أجل تبرير العمل الوقائي يجب أن يظهر بان هذه المعادلة تشير الى ثمن أعلى للسياسة السلبية. 4. اعتبارات تتجاوز مسألة التعاظم الموضعي وموقف القوى العظمى والتأثير على ساحات اخرى والمساهمة في الردع ومسائل محيطة اخرى ذات صلة. وفي نقاشه للاعتبارات اعلاه تطرق يدلين الى عملية القصف الاخيرة في سورية، والتي ذكرت فيه مصادر اسرائيل واجنبية انها استهدفت حافلة من الاسلحة كانت في طريقها الى لبنان. وبحسب يدلين فان العملية نفذت في اعقاب معلومات استخبارية فائقة وقدرة تنفيذية مثيرة للانطباع لتنفيذ الهجوم، اذ ان نقل هذه الاسلحة المتطورة كانت كفيلة بان تتحدى التفوق الجوي الاسرائيلي في مواجهة مستقبلية في لبنان او نصب كمين لطلعات الاستخبارات الضرورية لجمع المعلومات عن بناء قوة وتعاظم حزب الله، على راي يدلين. اما من ناحية رد فعل سورية، فيضيف، ليس لنظام الاسد مصلحة في الرد الفوري وبقوة على الهجوم كون النظام يواجه معركة بقاء وفي ذروة حرب أهلية. وجيش الاسد منشغل اساسا في هذا الصراع وقدراته حيال اسرائيل تآكلت. وبراي يدلين، فقد سعى الاسد الى منع تدخل دولي يغير ميزان القوى في الصراع في سوريا، ولهذا فليس له مصلحة في فتح جبهة خارجية حيال قوة هامة جدا مثل اسرائيل. ومن ناحية ثانية الخوف من الضرر المحتمل بعلاقات الاسد مع سيده في موسكو"، على حد تعبيره مضيفا:" نقل السلاح الروسي الى حزب الله ليس شرعيا ويشكل خرقا لوعود السوريين لروسيا، الحليف الحيوي لسوريا، الذي يحميها في مجلس الامن ويمنع التدخل الاجنبي في المذبحة الجارية فيها. ولهذا السبب سارعت سورية الى النشر بان الهجوم نفذ على معهد للبحث العسكري وليس على قافلة سلاح. الاسد لا يرغب في أن يخاطر بتحالفه الهام مع روسيا. ولهذا فسيمتنع عن تصعيد الحدث. اما من جهة حزب الله وعدم رده فيقول يدلين:" حزب الله لا يملك الشرعية في الرد على هذه العملية - فهو ليس "حامي سوريا"، ولما كان الهجوم تعلى الاراضي السورية فان الشعب اللبناني لن يوافق على عملية قد تورط لبنان في قتال حفاظا على مصالح اجنبية - سورية. كما أن حزب الله يخرق بشكل منتظم ومستمر قرار مجلس الامن 1701 بالنسبة لمنع نقل السلاح الى لبنان. ويفترض بالمنظمة أن تشكل اساسا أداة عسكرية ايرانية ضد اسرائيل في حالة تطور الازمة النووية الى مواجهة عسكرية. وبسبب كل هذا فان شرعية حزب الله في الرد على الهجوم متدنية في داخل لبنان وخارجه. وشدد يدلين في توجهه الى القيادة الاسرائيلية ومتخذي القرار بان عدم الرد الفوري من قبل سورية وحزب الله وتصعيد المواجهة، لا يعني انهاء الموضوع بل انهما يحتفظان بامكانية الرد لاحقاً وربما دون تحمل مسؤولية اية عملية ستنفذ كرد على قصف قافلة الاسلحة.