تساؤلات كثيرة تطرح اليوم في إسرائيل حول دوافع إعادة الملف اللبناني إلى طاولة البحث وتصعيد التهديدات للدولة اللبنانية و«حزب الله»، على رغم الانشغال المحلي والدولي بالملف النووي الإيراني والجهود المبذولة، أميركياً وأوروبياً، لمنع إسرائيل من توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، بصرف النظر ما إذا كانت تهديدات رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه إيهود باراك، حقيقية أم وهمية، كما يعتقد البعض. فقد كشف أخيراً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي توجه إلى الحكومة اللبنانية برسالة تحذير عبر مسؤول أوروبي كبير، يحمّلها فيها «مسؤولية أي اعتداء ينفذه «حزب الله» ضد أهداف إسرائيلية أو يهودية داخل إسرائيل أو خارجها». وهناك تهديدات متواصلة لسياسيين وعسكريين وأمنيين إسرائيليين تجاه «حزب الله» ولبنان، دفعت بجهات عدة إلى التحذير من خطر اتخاذ خطوات متهورة عند الحدود الشمالية تدفع المنطقة إلى حرب. ووصلت ذروة هذه التهديدات مع دعوة وزير الدفاع الأسبق، موشيه آرنس، صديق نتانياهو، إلى توجيه ضربة عسكرية إلى لبنان والقضاء على صواريخ «حزب الله»، من دون علاقة بالضربة العسكرية على إيران، سواء اتخذت الولاياتالمتحدة الأميركية أو إسرائيل قراراً بتوجيه الضربة أو لم تتخذ القرار، وإذا تم تحديد موعد للضربة أو لم يحدد. وبرأي آرنس فإن الوضع في لبنان يتطلب عملاً عسكرياً إسرائيلياً فورياً وحاسماً كسبيل لضمان أمن الدولة. يقول إن هناك كمية كبيرة جداً من الصواريخ التي سيستخدمها «حزب الله» في شكل حتمي ضد إسرائيل في حال نشوب حرب مع لبنان. ويجب القضاء عليها أولاً وقبل أن تنشب حرب كهذه. لكن المقلق أكثر هو أن الجيش الإسرائيلي وقادته جعلوا من الملف اللبناني و«حزب الله» الخطر الأكبر على أمن إسرائيل في هذه المرحلة، وأطلقوا مشاريع، أمنية ووقائية، على الحدود كما لو أن الحرب ستقع غداً. وأبرز تلك المشاريع شق طريق في منطقة المطلّة يتحول إلى ممر لهرب السكان في حال وقوع حرب. العمل لإنجاز الممر ينفذ بعيداً من عيون السكان وبسرية. وتشدد مصادر في الجيش على أن الأهم وجوده مخفياً عن عيون اللبنانيين لأنه سيكون منفذ الهرب الرئيسي لسكان المطلّة والمنطقة. المطلّة بالنسبة للإسرائيليين تشكل نقطة الضعف الأساسية لكونها تقع على بعد أمتار قليلة من السياج الحدودي ومحاطة من ثلاث جهات بالحدود مع لبنان. ومباشرة تنفيذ المشروع، يشير إلى ارتفاع وتيرة الاستعدادات. مسؤولون أمنيون سابقون وصفوا وضع المنطقة «كمن يجلس على برميل من بارود». ووفق تسفيكا فوغل، الذي شغل منصب قائد «كتيبة - 36» في قيادة الشمال التي شاركت في عملية «عناقيد الغضب»، فإن «من يشاهد نشاطات العدو على الطرف الثاني من الحدود في لبنان، والأعمال التي يقوم بها «حزب الله» يرى، بل يتأكد، أن الطرف الآخر يضاعف استعداداته للحرب المقبلة». وشدد فوغل على حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها. وحديث فوغل يتماشى مع اللهجة العسكرية الإسرائيلية التي انضم إليها أيضاً رئيس أركان الجيش بيني غانتس، الذي حرص المسؤولون الإعلاميون في هيئة أركانه على إبراز مشاركته في مختلف التدريبات العسكرية التي يجريها الجيش خلال الفترة الأخيرة وفي شكل مكثف ومتواصل وتحاكي، بالأساس، سيناريو احتلال بلدة لبنانية والسيطرة على مقاتلي «حزب الله» «وتمشيط المنطقة وتطهيرها منهم»، على حد تعبير الجيش. فغانتس، وهو الشخصية العسكرية الأقوى في معارضة موقف نتانياهو وباراك في توجيه الضربة العسكرية لإيران، لم يتردد في جعل الخطر من الأوضاع الأمنية على الحدود الشمالية منفصلاً عن الملف الإيراني. وكسابقيه من العسكريين والأمنيين وأصل أسلوب التهديد. وفي آخر مشاركة له في تدريبات في منطقة الشمال هدد بما أسماه «القوة الفتاكة» لجيشه، قائلاً: «من يعتقد أن بمقدوره أن يتخلص من إسرائيل ويحاول المس بنا، فسيكتشف القوة الفتاكة للجيش الإسرائيلي. فالتهديدات المسموعة من مختلف الأماكن (ويقصد إيران وتهديدات الأمين العام ل«حزب الله»، السيد حسن نصرالله في خطاباته الأخيرة) تدل على تقديرات خاطئة عند أصحابها لقواتنا ولقدراتنا». تهديدات غانتس هذه بقيت ضمن حملة الترويج والتهديد التي تقودها إسرائيل تجاه إيران و«حزب الله» وسورية أيضاً، لكن الأمر خرج عن هذا النطاق مع دعوة الوزير موشيه آرنس، وهو الشخصية الأمنية المقربة من نتانياهو والذي يحظى بثقة رئيس الحكومة. فآرنس يرى «حزب الله» أولاً»، ودعا إلى تنفيذ عملية ضده من دون علاقة بالضربة العسكرية على إيران وبصرف النظر عمن سينفذ الضربة، إسرائيل أم الولاياتالمتحدة. ويريدها آرنس عملية تقضي على مخزون الصواريخ لدى الحزب، الذي تدعي إسرائيل أنه يقترب من ستين ألف صاروخ. وينطلق آرنس بموقفه هذا من أن مواصلة تعزيز القدرات الصاروخية والعسكرية ل«حزب الله» يضاعف الخطر على إسرائيل وأن الحزب سيرد على إسرائيل في حال وجهت الضربة ضد إيران، ويقول: «صواريخ «حزب الله» هي خط الدفاع الأول للمشروع النووي الإيراني. أوليس من الحكمة الهجوم على خط الدفاع الأول هذا قبل كل شيء آخر؟ فهل يمكن التسليم باستمرار وجود خط الدفاع الأول هذا؟». يتساءل آرنس ويرد بالقول: «على إسرائيل أن تعالج قبل كل شيء صواريخ «حزب الله» في لبنان. إذ لن يقوم أحد بهذا العمل من أجلنا. صحيح أنه سيكون لطيفاً أن نحظى بدعم الولاياتالمتحدة في هذه المهمة، ولكنه ليس حيوياً». ويقترح الوزير السابق الشروع في معركة جماهيرية تنقل رسالة إلى «حزب الله» مفادها أن عليه تفكيك ترسانة سلاحه وفي موازاتها ممارسة الضغط على الحزب من اتجاهات أخرى أيضاً. ويضيف: «إذا لم تجد هذه الخطوات نفعاً، يعلم الحزب، أن الخيار العسكري لا يزال قائماً. صحيح أنه مطلوب الاستعداد، لكن الأمر ممكن». ويرد آرنس على حديث باراك الذي دافع خلاله عن موقفه من توجيه ضربة عسكرية لإيران للتخفيف من حدة المعارضة ضده بالقول: «رد «حزب الله»، وفق تعليمات من طهران، ليس موضع شك، وقيادة الجبهة الداخلية تستعد لهذا السيناريو. لكن حجم الضرر الذي سيلحق بإسرائيل كنتيجة للإصابات في الأرواح وفي الأملاك ليس واضحاً على الإطلاق. وزير دفاعنا، باراك، يقول إنه إذا كان الجميع سيركضون إلى الاحتماء بمأوى ما عند الهجوم فسيُقتل ليس أكثر من 500 مواطن. مثل هذا التوقع الدقيق ليس ممكناً. فهو احتمالي بطبيعته، بل والحساب لن يكون دقيقاً. يمكن طرح التقديرات استناداً إلى حرب الخليج الأولى، والتي أُطلق فيها من العراق على إسرائيل 39 صاروخاً، وقُتل مواطن واحد. وكمثال، إذا كان 39 صاروخاً أسفرت عن موت مواطن واحد، فإن 39 ألف صاروخ ستُسفر عن موت ألف مواطن. إذا أخذنا في الحسبان القبة الحديد، صواريخ حيتس واستعدادات قيادة الجبهة الداخلية، فيحتمل أن يكون التوقع بموت 400 مواطن هو بالفعل تخمين معقول. لكنه ليس سوى تخميناً فقط. الأمر الوحيد المؤكد هو أن السكان المدنيين يقفون أمام خطر حقيقي وفوري». ولمنع هذا الخطر، يدعو آرنس إلى خطوات عسكرية استباقية تمنع خطر الترسانة الصاروخية ل «حزب الله». حديث آرنس حول خطر صواريخ «حزب الله» يستند إلى تقارير للاستخبارات الإسرائيلية تدعي أن لدى الحزب مئات الصواريخ البعيدة المدى ستطلق باتجاه إسرائيل، بعضها سيوجه نحو تل أبيب والمركز وصواريخ ليست قليلة ستصيب أهدافاً مدنية. وهذه الترسانة سيواجهها الإسرائيليون بالاعتماد على قدرات سلاح الجو وأذرع الاستخبارات على أن يتم ضرب مخازن ومواقع إطلاق صواريخ «حزب الله» والقذائف الصاروخية، قبل إطلاقها من لبنان. ولماذا لبنان أولاً؟ كثرت التساؤلات حول سبب رفع الملف اللبناني إلى رأس أجندة الإسرائيليين وإذا كانت إسرائيل تريد حرباً أم أنها تريد إبقاء مواقفها ضبابية بهدف إحداث إرباك وبلبلة لدى الطرف الآخر، أم أنها تندرج ضمن المعارك التي تخوضها وزارة الدفاع لنهب المزيد من الموازنة العسكرية، أو إذا كان ذلك يعكس حال البلبلة التي تعيشها حكومة نتايناهو – باراك. ليس سهلاً الرد على هذه التساؤلات، حتى لدى خبراء ومسؤولين إسرائيليين. فهم يرون أن اليوميات الإسرائيلية حافلة بتصريحات وتهديدات لا حدود لها. لكن، هناك من يجد أسباباً إقليمية تساهم في توتير الأوضاع في المنطقة وتدفع بالملف اللبناني إلى الصدارة. وبتقدير الإسرائيليين فإن أبرز الأسباب يكمن في خطر أن يؤدي تدهور الأوضاع في سورية إلى نقل أسلحة كيماوية إلى لبنان، وفي هذه الحال لن تؤخر إسرائيل الضربة. لكن، هناك من يرى من الإسرائيليين أن الأحداث الداخلية في لبنان قد تساهم في تصعيد أمني حيث تتصاعد الأحداث وينهار النظام السوري فتحدث فوضى عارمة في لبنان تنتهي بحرب مع إسرائيل. الكاتبان عاموس هرئيل وآفي يسخاروف نقلا في صحيفة «هآرتس»، عن مسؤولين أمنيين أن عدم الاستقرار في لبنان بسبب الانهيار المستمر لنظام الأسد قد يكون أكثر الأسباب لانفجار المنطقة. ووفق ما جاء في تقرير مشترك لهما، «فإن سورية تعمل وتخطط لتصعيد الأوضاع في لبنان. وأبرز ما في نشاطها ملف الوزير السابق ميشال سماحة، المقرب من الأسد. ويرى الإسرائيليون أن التطورات الأخيرة والضغوط والمطالبة بتفكيك «حزب الله» قد تدخل الحزب في أزمة تدفعه إلى تصعيد الأوضاع في الحدود الشمالية. ويقولان إن أبرز دليل على الانعطاف الجديد للوضع في لبنان يكمن في التحول الجديد لزعيم الدروز وليد جنبلاط المعروف بتقلباته السياسية بين تأييد سورية والوقوف ضدها. وآخر تحول له هو ترك معسكر بشار الأسد. ويشير الكاتبان إلى أن «حزب الله» بادر أخيراً إلى تصعيد نشاطاته العدائية لإسرائيل، مثل العملية التفجيرية في بورغاس البلغارية ضد حافلة تقل السياح الإسرائيليين وكذلك تجنيد خلية مسلحة له من العرب في إسرائيل. ويريان، وفقاً لتقديرات رسمية في إسرائيل، أن «حزب الله» يمهد بذلك للضربة المقبلة ضد إسرائيل، التي ستكون محاولة منه للخروج من مأزقه الداخلي في لبنان.