تغزو المصوغات الذهبية التقليدية بأشكالها المختلفة والتي قد يتجاوز وزن بعضها نصف كيلوغرام، واجهات المحال في سوق الذهب في مدينة أربيل العراقية. فهي تنافس اليوم التصاميم الحديثة من الحلي الذهبية الناعمة وأنواع المجوهرات والكريستال. المجتمع الكردي لا يزال متمسّكاً بثقافة امتلاك مادة الذهب المتوارثة، باعتبارها معياراً للكمال وقيمة معنوية ومادية يقدمها العريس لعروسه. واللافت لدى التجوال في هذه السوق، المعروضات من الأساور والأقراط والعقود بأحجام كبيرة يعتبرها البعض متجاوزة للحدّ المعقول... ولا ننسى طبعاً الأحزمة المصنوعة من الليرات الذهبية، المفضلة لدى الكرديات لكونها تعتبر جزءاً أساسياً من الزي النسائي التقليدي الكردي. وقد يصل وزن الحزام النسائي الواحد إلى أكثر من نصف كيلوغرام من الذهب، وهو ما يعتبر باهظاً جداً في وقت يصل سعر الليرة الإنكليزية الواحدة إلى 400 دولار. ويعزو بعض الصاغة احتفاظ هذا النوع من التصاميم بشعبيته إلى الآن، على رغم التصاميم العصرية التي فرضت نفسها بقوة في السوق العالمية، إلى أن الشعب الكردي يحتفظ بالعديد من التقاليد المتوارثة. وتجد لدى غالبية النساء الرغبة في وضع كمية «فوق العادة» من الحلي الذهبية، خصوصاً في حفلات الأعراس والتجمعات العائلية وخلال الأعياد. وقد يختلف الذوق من منطقة إلى أخرى، فتجد الحلي المصوغات التقليدية متجذرة في أربيل ودهوك، إنما أقل في السليمانية. لكن ثقافة اقتناء أكسسوارات ناعمة وعيار خفيف من الذهب المنتشرة في الغرب ما زالت في بداياتها هنا. ويقول نور الدين، وهو صاحب محل لصياغة الذهب: «هذه الرغبة في اقتناء مصوغات ذات أوزان ثقيلة، نتلمسها لدى المقبلين على الزواج، وهناك منافسة في هذا المضمار». ويضيف: «إحدى الزبونات اشترت زوج حلق (تراجي) ذهبي من عيار 21 يزن 20 غراماً... فسألتها إن كان بمقدور أذنيها تحمل هذا الوزن الثقيل؟ فردّت بأنها لا تبالي». وترتبط هذه الظاهرة بما يعتقده البعض من أن كمية الذهب التي يقدمها العريس مهراً لعروسته هي بمثابة معيار أو قيمة اعتبارية ترتفع بارتفاع الكمية. ووفقاً لاقتناع قديم سائد، يجد آخرون في الذهب ضمانة للظروف الصعبة التي يمر بها المرء في بلد يفتقد نظام التأمين، وهذا ما يعكسه المثل الشعبي القائل «الذهب زينة وخزينة». سوق الذهب في أربيل يبدو مزدحماً في هذه الأيام، على رغم أن كثيرين يشكون ارتفاع أسعاره تأثراً بالأسعار العالمية، ويبلغ سعر «المثقال» (خمسة غرامات) 250 دولاراً مع احتساب كلفة الصياغة. ولكن، ما يحرك السوق هنا، توافر القدرة الشرائية العالية لدى الناس. فبعض المترفين من الأكراد صاروا يقصدون دول الخليج بحثاً عن قطع ذهبية مميزة ومشغولة بتصميم شرقي خالص. أما زبائن المصوغات الذهبية والمجوهرات ذات التصاميم العصرية التي تمتاز بالنعومة وخفة الأوزان، فيؤكد دلير لقمان «أنهم ينحصرون بطبقات وفئات محددة متأثرة بصيحات الموضة، خصوصاً الطالبات في الكليات والمعاهد، إلى جانب الزوار والسياح الأوروبيين.